مانشيتمقالات رأي

هوس الحقوق ومتلازمة الكرد فوبـ ـيا عند تركيا

لم تشهد النزعة الدولتية القوموية التركية طيلة المئة عامٍ الأخيرة من انطلاقتها مأزقاً بنيوياً وأخلاقياً من النوع الذي تعكسه سياسات تحالف حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم وحزب الحركة القومية، هذا المأزق الذي يظهر اليوم في خلفية التراجعات والأكاذيب والمواقف المرتبطة بالموقف التركي من الأزمة السورية، والذي بدوره ينبع أو يتلطى خلف حجم المخاوف الكبير من نجاح قيم القائد في أن تترجم نفسها على الواقع التركي عبر انتصار مشروع الأمة الديمقراطية، هذه المخاوف التي عززتها نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة.

ففي نكوص غير مسبوق عما درجت عليه السياسة التركية من مواقف عِدائية تجاه الوضع السوري، وإزاء السلطات الحاكمة في دمشق؛ يردد السلطان العثماني في أنقرة بحسب متابعين، وفي أربعة عشر إيجاز صحفي خلال أيام قليلة، إعلان النوايا في الرغبة بلقاء بشار الأسد، وفي النزول عند اشتراطاته، وبإهدار ماء وجهه هو الذي كان يحلم بالصلاة في المسجد الأموي في دمشق؛ احتفاءً بسقوط نظامه.

صار مستميتاً بالصلاة إلى جواره أو حتى خلف إمامته، الأمر الذي يدلل بشكل لا لبس فيه على هشاشة الوضع التركي، وعلى تفاقم أزماته على جميع الأصعدة، ثم على نضوب السياسة الأردوغانية وسياسة حركات الإسلام السياسي الإخوانية من أية أبعاد مبدئية.

ولا ريب أن السياسة الأردوغانية في تعاملها اليوم مع المسألة الكردية، ومع رمز نضالها القائد المفكر عبد الله أوجلان؛ لا ترتكب خطأ واحداً بعينه، والذي يتمثل باستمرار السطو على حرية القائد تحت ذريعة الإرهاب، بل تقع في خطأ ثلاثي الأبعاد.

الأول، أن أوجلان ليس مجرد مناضل عادي نجد تكراراً له في تجارب حركات التحرر عند شعوب عدة، ويمكن العبث بصورته أو اهتزاز ثقة مريديه به، بل هو في الواقع الحي مناضل خرج من أحشاء شعبٍ واعٍ يفهم قضيته، متمرس بالنضال، مثقف، ويملك تجربة غنية مرت بمحطات كثيرة.

وليس هذا وحسب، بل تصل الصفاقة الأردوغانية إلى حد التباكي، وكأن البشر بلا ذاكرة على مصير الشعب الكردي، وعلى ادعاء الحرص على مصالحه ومصالح الشعب السوري ووحدة أراضيه، ولا يخفي قلقه على مصير الشعبين مما يزعم أنه خطر الإرهاب.

حيث جاء كل ذلك في آخر حديث أجراه مع الصحافة، وهو على متن الطائرة عائداً من واشنطن بعد حضور قمة حلف الأطلسي، والذي ركز فيه على الحاجة إلى دعم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في دعم خطواته للتطبيع مع دمشق، وفي مواجهة الإرهاب، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية، وعلى هذا النحو فلا جديد في ارتداء اردوغان لقميص العفة والنزاهة حيال مصير القضية الكردية.

فالطغاة ومغتصبي حقوق الشعوب عبر التاريخ كثيراً ما يقعون بهذا الخطأ، حين يزعمون أن الخلل مات من نفر محدد في حركة نضال الشعوب، بقصد تشويه هذا النضال وتحويله إلى مشجب تعلق عليه مسؤولياتها وجرائمها بحق الشعوب.

إلى ذلك ووفق كل المقاييس والوقائع يمكن الجزم بأن موقف السلطات التركية من القائد أوجلان، ومن الأوجلانية الفكرية والسياسية يعد موقفاً من الشعب الكردي برمته، ولكنه يختصر صراعه مع الكرد ورغبته في القضاء عليهم في شخصه وفكره وفلسفته، وإن عملية اختطافه، ودوام اعتقاله  تعد خدشاً عميقاً في الوجدان والضمير الجمعي الكردي، ومن يشكك في يقينية هذا الانطباع لا بد أن تكذبه قوافل الشهداء الذين قضوا تحت مظلته الفكرية والنضالية في العقود الأربعة الماضية.

والبعد الثاني، في الجريمة التركية المركبة يتعلق بالدور الأممي الذي ينهض به الخطاب الأوجلاني والاهتمامات الأوجلانية التي تتقاطع مع أحلام وتطلعات الشعوب الساعية إلى مجتمع العدالة والتحرر والديمقراطية، وبالتالي يتجسد في هذه النقطة قدرٌ كبير من قصور نظر السياسة التركية لجهة فشل هذه السياسة عن ملاحظة الاهتمام العالمي المتزايد لدى الحركات والمنظمات النسوية، وحركات العناية بحماية البيئة بالطرح الأوجلاني الرامي إلى إقامة المجتمع الديمقراطي في البيئة النظيفة والمتحررة من أية تمايزات جنسانية.

أما البعد الثالث، فيتجلى بلعنة الفلسفة، حينما تكون الجريمة قد وقعت بحق صديق الفلسفة، وبالانطلاق من حقيقة أن الفلسفة، أية فلسفة تتأسس على قاعدة طرح الأسئلة، وعلى مبدأ التساؤل والتفكر فلن تجانب المنطق في شيء، إذا فهمنا الأوجلانية على أنها طريق الإجابة على الأسئلة الملحة وملاذ الفلسفة.

نفهم من ذلك إن التورط التركي هو ضلوع يتضرر نزعة الإبداع في العقل الكلي للمجتمع البشري. ثم دمغة باللون الأسود ستصيب حقبة طويلة من التاريخ التركي الحديث.

إلى ذلك يمكن للدارس أن يلاحظ أن الدولة التركية والسياسة الأردوغانية بوجهها الإسلامي القوموي تعاني من اضطراب مرض “هوس الأوجلانية أو متلازمة الكردفوبيا” وهي في كل تكتيكاتها ومواقفها بما في ذلك الاندفاعة المستعجلة نحو دمشق تصدر عن قلق النجاح الذي يمكن أن يحدثه دواء الأمة الديمقراطية.

كمال حسين/آداربرس

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى