صعدت دولة الاحتلال التركي من وتيرة هجماتها واعتداءاتها على مناطق شمال وشرق سوريا الأسبوع الفائت، مستهدفة البنى التحتية والمنشآت الحيوية والخدمية، فضلاً عن الأفران والمشافي وحقول ومصافي النفط، ومراكز قوى الأمن الداخلي، وحتى السجون التي تأوي إرهابيي “داعش” لم تسلم من حملة القصف بالطائرات المسيرة والحربية.
ادعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عملية الهجوم على مصنع “توساش” للصناعات العسكرية قرب العاصمة أنقرة، والمختص بصناعة الطائرات المسيرة، قد تمت من قبل أشخاص تسللوا من الأراضي السورية، ليبرر هجماته على مناطق شمال وشرق سوريا، في تكرار للسيناريو الذي حدث العام الماضي في تفجير إسطنبول وكذلك الهجوم على أحد المراكز الأمنية في العاصمة أنقرة.
ادعاء أردوغان فنده القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الجنرال “مظلوم عبدي” في حديث له عن هجمات دولة الاحتلال التركي، عندما قال: “لم يدخل من سوريا إلى تركيا أي شخص لتنفيذ تلك العملية، ونحن لا ننفذ عمليات عسكرية في تركيا أو في باكور كردستان، بل ساحة نضالنا وكفاحنا هي الساحة السورية فقط”.
غير أن دولة الاحتلال التركي دائماً تبحث عن الذرائع لتبرر هجماتها على مناطق الإدارة الذاتية، وهي بكل الأحوال لا تعدمها. فرغم أن قوات الدفاع الشعبي التابعة لحركة حزب العمال الكردستاني تبنت العملية بشكل رسمي، وكشفت عن الشخصين المنفذين؛ إلا أن النظام التركي لم يلتفت لها، فهو يرى في ساحة روجآفاي كردستان وشمال وشرق سوريا الخاصرة الرخوة التي يمكنه من خلالها المضي قدماً في تنفيذ مشاريعه الاحتلالية، حيث أنه فشل حتى الآن في تحقيق إنجاز يذكر في حربه المستمرة في باشور/ جنوب كردستان ضد قوات الكريلا.
تزامناً مع الحملة العدائية الهمجية التركية؛ دار جدل كبير في الداخل التركي بين الأوساط السياسية والإعلامية حول نية الدولة التركية بدء مسار جديد لحل القضية الكردية، وانساقت بعض الأطراف وراء البروباغاندا التركية واقتنعت إلى حد ما بالرواية التركية، وراحت تكيل الاتهامات لحركة التحرر الوطنية الكردستانية بأنها تعرقل مسار استئناف المسار السياسي السلمي الذي توقف في عام 2015. إلا أن تصريحات رئيس حزب الحركة القومية اليميني الفاشي “دولت باهجلي” بددت كل الآمال التي روجها النظام التركي خلال الأسبوعين الماضيين.
فخلال اجتماع لحزبه ومؤيديه، عاد “باهجلي” ليظهر وجهه الحقيقي، حيث قال بأنه “لا توجد قضية كردية في تركيا، فقط توجد لدينا مشكلة الانفصال والإرهاب، وإن لم يقتنع الإرهابيون بالحل الذي طرحته الدولة – أي الاستسلام دون قيود أو شروط – فلدينا من القوة ما تكفي لاقتلاعهم من جذورهم”، واستدرك قائلاً: “إن كنا نقتنع أن هناك باشور/ جنوب كردستان، فهذا يستدعي أن يكون هناك باكور/ شمال كردستان أيضاً، وهذا وهم”، أي أنه نسف وجود باشور كردستان كإقليم معترف به عالمياً ومن قبل الحكومة المركزية العراقية أيضاً.
توجد قناعة راسخة لدى الكرد، في باكور وروجآفاي كردستان، أن الدولة التركية لن تقدم على أي حل سياسي للقضية الكردية سلمياً، فالمتتبع للتاريخ التركي، القديم والحديث، يدرك بسهولة أن النخب السياسية الحاكمة في تركيا، وجميع الأنظمة التي تعاقبت على الحكم، وإن كانت تختلف عن بعضها في القضايا الداخلية وتصل لحد التشهير، إلا أن جميعها تتفق حول معاداة القضية الكردية، وهذا ما لمسناه في مقاربة حزب الشعب الجمهوري ورئيسه “أوزغور أوزال”، عندما طلب من الرئيس أردوغان أن يتحدث مباشرة عما يفكر به حيال القضية الكردية، واتهمه بأنه يدفع بالفاشي “باهجلي” ليتصدر المشهد السياسي، وأن هناك تقاسم للأدوار بينهما، وأنه ويجمع حوله جميع دعاة الفاشية لعدم قبول حل القضية الكردية والاعتراف بها قانونياً. والأنكى من ذلك أن رئيس الكتلة البرلمانية لأحد الأحزاب اليمينية حمل معه حبلاً إلى البرلمان وعرضه أمام الأعضاء، مطالباً بإعدام الزعيم الكردي “عبد الله أوجلان”، متوعداً بأنه “لن يدخل البرلمان إلى على جثثهم”. هذه النبرة العدائية والشوفينية في تركيا سائدة لدى معظم النخب السياسية وحتى الثقافية منها، رغم قناعة الجميع أن حل القضايا المستعصية في تركيا هي بيد القائد “أوجلان”، وخاصة القضية الكردية.
من جانب آخر، ألمح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي” في لقاء مع موقع “المونيتور” الأمريكي، إلى “وجود حوار غير مباشر مع الدولة التركية عبر طرف ثالث، وهو التحالف الدولي، وهو يقتصر على بعض الجوانب الأمنية”، وهدد الدولة التركية بأن “هذا الحوار بالتأكيد سيتضرر نتيجة الهجمات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا”. والسؤال المطروح من قبل الرأي العام، إن كان التحالف الدولي يرعى الحوار بين الإدارة الذاتية أو (قسد) والدولة التركية، فكيف تسمح للأخيرة بشن الهجمات على مناطق الإدارة وتدمر البنية التحتية فيها؟ ألا يعبر هذا عن ازدواجية ونفاق في موقف التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة؟
المسألة الأساسية والراسخة في العقل والتفكير التركي هي معاداة الكرد، وعدم قبول وجود أي إدارة تخصهم. وهذه المسلمة الثابتة في العقل الجمعي التركي، تترجم عبر الحروب والمجازر التي ترتكبها الدولة التركية ضد الكرد، وفي جميع أجزاء كردستان.
كما أن اجتماع الحكومة التركية برئاسة أردوغان أول أمس، تقرر فيه زيادة وتيرة الهجمات ضد الشعب الكردي، تحت مزاعم “محاربة الإرهاب”، رغم أنها هي من تمارس إرهاب الدولة ضد الكرد، وفي جميع أجزاء كردستان، ولم تصدر عن الاجتماع أية إشارات إيجابية حول بدء عملية سلمية لحل القضية الكردية، أو فتح المجال أمام القوى السياسية الديمقراطية لتلعب دورها في بناء الثقة مع الحكومة، بل عادت إلى خطابها التصعيدي العنفي من جديد، ما يشير إلى دخول تركيا مزيد من الأزمات.
مثلما تمكنت الإدارة الذاتية من تضميد جراحها في العدوان السابق، وصمدت في وجه الهجمات السافرة، فإنها هذه المرة أيضاً ستتمكن من تجاوز حالة النزيف، والشروع ببناء ما دمره الاحتلال، اعتماداً على سواعد أبنائه وتفانيهم في الدفاع عن الإدارة الذاتية كحاضنة لهم ضد كل أنواع التهديدات التي تطالهم.
خاص/آداربرس
ADARPRESS #