النظام التركي بني على حساب إبادة الشعوب الأخرى وخاصة الشعب الكردي.
خورشيد دلي
تصاعدت وتيرة مظاهر العنصرية والتمييز العرقي ضد الأكراد في تركيا خلال الأشهر الأخيرة.
وفي هذا السياق، قتلت مجموعة من الشبان الأتراك القوميين المتشددين قبل نحو أسبوع عائلة كردية كاملة مؤلفة من سبعة أشخاص في ولاية “قونية”، وقبل ذلك قُتل فلاح كردي كان يعمل في حقله، وقبله قُتلت الناشطة الكردية من حزب الشعوب الديمقراطي، “دنيز بويراز”، في هجوم على مقر الحزب في “إزمير”، نفذه شاب تركي متطرف.
وقبل ذلك قُتل شاب كردي يدعى باريش تشاكان بالسكاكين من قبل مجموعة شبان أتراك في حديقة عامة بأنقرة لمجرد أنه كان يستمع لأغنية باللغة الكردية.
وبالتوازي تقول تقارير صحفية إن الأكراد في تركيا باتوا يخشون من أي إشارة إلى قوميتهم في حياتهم اليومية، بدءا من الحديث بلغتهم الأم والغناء بها، أو الاستماع لها، وصولا إلى إقامة الأفراح، حيث كثيرا ما تتعرض صالات الأفراح إلى هجمات مجهولة ومعلومة الفاعل.
وفي ظل هذه الجرائم العرقية، انتشرت شعارات متطرفة من نوع: “لا مكان للأكراد هنا، لن يبقى كردي هنا، ممنوع على الأكراد العيش بيننا”، في إشارة إلى المناطق التركية، التي نزح إليها الأكراد بفعل الحروب في مناطقهم أو لأسباب اقتصادية تتعلق بتأمين ظروف المعيشة.
السؤال البسيط هنا: مَن يتحمل مسؤولية ازدياد هذه المظاهر العنصرية والجرائم العرقية ضد الأكراد في تركيا؟
في الواقع، الجواب عن هذا السؤال يضعنا أمام مستويين من المسؤولية والأسباب.. الأول وهو المسؤولية المباشرة:
ويتعلق بخطاب الكراهية والتحريض الذي يمارس على أعلى المستويات الرسمية ضد الأكراد، فخطاب حكومة حزب “العدالة والتنمية” لا يتوقف عن رفع شعار مكافحة الإرهاب لأسباب سياسية، وربط كل نشاط كردي بالإرهاب والمؤامرة، والعمل على تقسيم تركيا لصالح مخططات الأعداء، وهو ما يخلق موجة احتقان وتحريض في الشارع التركي ضد الأكراد.
وقد عزز هذا الأمر بشكل كبير التحالف الذي نشأ بين حزب “العدالة والتنمية” وحزب “الحركة القومية المتطرفة” بزعامة دولت باهجلي، حيث يحمّل هذا التحالف الأكراد مسؤولية هزيمته في الانتخابات المحلية الأخيرة في المدن الكبرى، بعد أن صوّت الأكراد لصالح أحزاب المعارضة، خاصة في إسطنبول.
ولعل ما زاد من نسبة الجرائم، التي ترتكب ضد الأكراد بعد هذه الانتخابات، هو التهاون الرسمي مع مرتكبيها وغياب المحاسبة، ما يشكل ضوءا أخضر للجماعات المتطرفة بارتكاب المزيد من هذه الجرائم، وهنا يكفي أن نشير إلى أن العائلة الكردية، التي قُتلت في “قونية”، سبق أن قدم أفراد منها شكاوى للشرطة عن تهديدات واعتداءات تتعرض لها من قبل هؤلاء الشبان دون أن تلقى شكاواهم استجابة أو تفعل قوات الأمن شيئا، وهو ما سهل ارتكاب هذه المجزرة.
المستوى الثاني وهو المسؤولية التاريخية، فمنذ تأسيس الدولة التركية الحديثة عام 1923، قامت هذه الدولة على أساس القومية التركية فقط وإنكار باقي القوميات الأخرى في البلاد، لا سيما الأكراد الذين يعيشون على أرضهم التاريخية، ومع أنهم وقفوا إلى جانب مصطفى كمال أتاتورك في حروب الاستقلال وإقامة الجمهورية التركية بعد أن وعدهم بأن تركيا المقبلة ستكون للأتراك والأكراد معا، فسرعان ما تنصّل من وعوده وقابل كل مطلب كردي للاعتراف بقوميتهم وهويتهم وحقوقهم بقمع لا مثيل له، إلى درجة أنه أنكر وجود الأكراد وهويتهم في البلاد أصلا، إذ أطلق عليهم صفة “أتراك الجبال”، على أساس أنهم فئة تركية استقرت في الجبال ونسيت أصلها القومي التركي مع الزمن.
وقد أدت هذه السياسة عبر التاريخ إلى حصر كل إمكانات الدولة والمجتمع في القومية السائدة، أي التركية، مقابل حرمان القومية الكردية منها، إلى درجة أن أجيالا من الأكراد فقدت هويتها بسبب هذه السياسة، خاصة أنه تم ربط قضية الهوية القومية الكردية في تركيا بمفهوم الجريمة، وحديثا بالإرهاب، وباتت التهم جاهزة لكل كردي يطالب بالاعتراف بهويته القومية، مثل تهم العمل لصالح حزب العمال الكردستاني، شمّاعة الحكومة التركية في كل مشكلات البلاد، إلى درجة أن السلطات التركية ذهبت إلى تحميله مسؤولية الحرائق الأخيرة، بعد أن كشفت هذه الحرائق هشاشة بنية الحكومة وعجزها عن إخماد النيران الطبيعية التي نتجت عن تغيرات المناخ، ليس في تركيا فقط، بل في مناطق مختلفة من العالم، إذ إن المفارقة هنا هي أن الحرائق كشفت فقدان الدولة لطائرات إطفاء الحرائق في وقت بلغت طائرات الأسطول الرئاسي التركي 8 طائرات، بحسب إعلان رسمي من الرئاسة التركية!
الأخطر من كل ما سبق هو أسلوب السلطات التركية في معالجة المظاهر العنصرية، التي تجتاح البلاد، فبدلا من أن تقوم بمعالجة هذه المظاهر ومكافحتها من خلال القانون ونشر ثقافة التسامح والتعايش بين أبناء البلد الواحد، تقوم بشد العصب القومي التركي من خلال خطابات قومية ودينية رنانة تقوم على تمجيد العنصر التركي وممارسة العنف، ما يوحي بوجود تنظيم يقف وراء تصاعد موجة الاعتداءات العنصرية ضد الأكراد، دون أن تستفيد السلطات التركية من تجارب دول أخرى في كيفية مكافحة المظاهر العنصرية، كما حصل خلال تجربة الولايات المتحدة عقب مقتل المواطن الأمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد، بإشهار سيف القانون ومحاسبة القاتل وتعزيز ثقافة التعايش السلمي وحقوق الإنسان.
المصدر:العين الأخبارية