مانشيتمقالات رأي

ولاية ترامب الجديدة.. حفاظٌ على السياسة مع تغيير آليات التعاطي

رياض يوسف

انتظرت الكثير من الحكومات الأوربية والدولية والعربية هذه اللحظة، لحظة فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية التي جرت في الخامس من الشهر الجاري، كما انتظرت بحسرة بعضٌ من هذه الحكومات خسارته وفوز الديمقراطيين بقيادة كامالا هارتس، وكل طرف حسب مصالحه، ومجريات الأحداث المتعلقة به في فترة حكمه السابقة، رغبة منه في عدم تكرار تلك الحقبة.

لن ندخل في المزيد من التفاصيل، ولكن سنسلط الضوء على ما اتبعه ترامب من أساليب، وماهية السياسة التي طبقها في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالنزاع في سوريا، والدول المعنية بهذا الملف.

انطلاقاً من تركيا حليفتها في الناتو، فبعد حصولها على أنظمة الصواريخ (إس 400) الروسية، بالرغم من الاعتراضات الأميركية؛ صبت الأخيرة جام غضبها على النظام التركي، وفرضت مجموعة كبيرة من الإجراءات العقابية، حيث رفضت إدارة ترامب تسليم طائرات مقاتلة من طراز (F-35 ) إلى تركيا، وعاقبت كبار المسؤولين الأتراك، ورفعت الرسوم الجمركية على صادرات الصلب التركية، في حين مرر الكونغرس تشريعاً جاء لفرض عقوبات قوية على صناعة الدفاع التركية، ودعا إلى إجراء تحقيق في الفساد المالي للرئيس التركي أردوغان نفسه، وأصدر بأغلبية ساحقة قراراً يعد الأول في مجلسي الكونغرس، يعترف بمذبحة الأرمن في 1915 في عهد الإمبراطورية العثمانية البائدة، باعتبارها إبادة جماعية، كما أجبرت أردوغان على إطلاق سراح القس الأمريكي آندرو برونسون تحت التهديد والوعيد بالمزيد من العقوبات الاقتصادية، إلا أنه سمح لدولة الاحتلال التركي بغزو واحتلال مناطق سري كانيه وكري سبي بعد قرار الانسحاب الذي ألغي بعد خمسة عشر يوماً نتيجة ضغوط الكونغرس الأمريكي والبنتاغون.

مروراً بالحكومة السورية وشركائها، فقد قصف مطار الشعيرات بصواريخ التوماهوك، ووصف بشار الأسد بألفاظ نابية بعد استخدامه للأسلحة الكيماوية والأحداث في دوما وخان شيخون، وأوقف دعم الفصائل المرتزقة، ووقع قانون قيصر الخاص بالعقوبات على الحكومة السورية وشركائها، وقتل قاسم سليماني وأبو بكر البغدادي، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري.

في فترة الرئيس ترامب الأولى كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية كانت الأمور مختلفة تماماً عما هي الآن، حرب روسيا على أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، والقصف والرد المتكرر بين إيران وإسرائيل، وتدخل ميليشيات مؤيدة لإيران في قصف إسرائيل والقوات الأمريكية من العراق وسوريا، إضافة إلى الرغبة في تغيير موازين القوى في المنطقة، وظهور حلفاء استراتيجيين جدد كالسعودية ومصر، والاستغناء إلى حدٍ ما عن حلفاء سابقين، إَضافة إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والذي دخل قيد التنفيذ بشكل فعلي مع اندلاع حرب إسرائيل مع حماس.

انتهاءً بتركيا التي تعلم جيداً بأن هذا المشروع قادم لا محال، وإن رياح التغيير قادمة، وإن دورها كحليف استراتيجي في المنطقة على المحك نتيجة ما يجري بالداخل التركي من أزمة سياسية واقتصادية، وأزمة حريات وانقلاب على الديمقراطية وعلى إرادة الناخب في بلديات مناطق شمال كردستان، وتهديدها المبطن لأمريكا ولحلف شمال الأطلسي بشكل عام من خلال رغبتها بالانضمام إلى مجموعة بريكس التي تضم روسيا والصين وإيران، وحضورها اجتماعها الأخير وطلبها لنيل العضوية فيها، إضافة إلى تحريضها حركة حماس لضرب إسرائيل، والقيام بما قامت به في السابع من أكتوبر من العام المنصرم، لخلق فتنة ونزاع بين الأخيرة والعرب وبالتالي منع تنفيذ خط سكك حديد السلام المار من ميناء حيفا، الذي يربط أوربا بالهند؛ بغية إعطاء الأفضلية لمشروع التنمية المار من العراق، ويجعل ميناء جهان التركي بديلاً عن ميناء حيفا الإسرائيلي. إلى جانب فتح الأراضي التركية كملاذ آمن لجماعة الإخوان المسلمين المصنفة على قائمة الإرهاب في العديد من الدول.

تلك التغييرات الجيواستراتيجية ستجبر إدارة ترامب في فترة رئاسته الثانية إلى تغيير نظرته السياسية تجاه الشرق الأوسط، ويدفعه للتفكير ملياً، وإجراء دراسة معمقة في اختيار من سيمثلون سياسته من القادة والسياسيين الأمريكيين في حكومته التي سيشلكها، خاصة وقد قال بأنه سيركز على إيقاف الحروب وليس إشعالها.

تلك الحروب المُستَعِرة بين إسرائيل وحزب الله، وبينها وبين حماس، والمناوشات والتهديد والوعيد بينها وبين إيران دفعت إدارة بايدن إلى دعم قواته في سوريا بشكل ملحوظ لحمايتهم من الهجمات المتكررة من قبل الميليشيات الإيرانية، وكذلك محاولته تقوية خاصرة إسرائيل في سوريا، وكبح جِماح إيران خاصة بعد محاولتها الأخيرة على اغتيال دونالب ترامب المنتخب حديثاً كرئيس لأمريكا، حسب مسؤولين أمريكيين. ومن الواضح إن إدارة ترامب ستستمر في هذه السياسة، وربما يزيد من وتيرة دعمها كماً ونوعاً، باعتباره الصديق الوفي لنتنياهو.  

اليوم الولايات المتحدة تزيد من عدد قواتها في شمال وشرق سوريا، وتستقدم أسلحة متطورة وثقيلة، وتدعم قوات سوريا الديمقراطية، كل ذلك يأتي في ظل التطورات التي تشهدها منطقتنا من حروب وتغيرات، لهذا تحرك القادة الأتراك وبادروا للتواصل مع الجانب الكردي في شمال كوردستان؛ فيما سموه نداءً للسلام؛ لإدراكهم بأن القضية الكردية وخاصة في سوريا يستحيل إعادتها إلى القمقم أي قبل العام 2011، وأن أمريكا والغرب سيزيدون من دعمهم لقوات قسد والإدارة الذاتية كونهم حلفاء استراتيجيين متحالفين ضد الإرهاب.

ثم إن الرئيس في أمريكا لا يقرر لوحده السياسات الخارجية. هناك الكونغرس والبنتاغون والإستخبارات المركزية والدولة العميقة، أمريكا دولة مؤسسات وليست مزرعة كتلك التي يمتلكها أردوغان وغيره من الديكتاتوريين، وبدليل، ترامب تراجع عن موقفه في أخر لحظة عندما كان رئيسآ لأمريكا قبل أربع سنوات، وتراجع وأبقى على القوات الأمريكية في إقليم شمال وشرق سوريا بسبب موقف البنتاغون والخارجية والمخابرات المركزية الرافض لذلك.

الكل يعلم بأن القوات الأمريكية ستنسحب من مناطق وجودها خارج أمريكا، إن طال الزمن أو قصر، ولكنها لن تعيد تلك القوات ما لم تضمن أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، التي تعتمد في الدرجة الأولى على ضعف إيران وروسيا في المنطقة وتقوية إسرائيل، وهي تعلم بأن أي انسحاب من سوريا هي خطوة ستكون نتائجها معكوسة تماماً لما تخطط له.

حتى وإن سحبت جنودها فإن القوات العسكرية في إقليم شمال وشرق سوريا، في الأساس خاضت أول حروبها ضد أعتى قوة إرهابية دون أمريكا في بادىء الأمر، وبعدد قليل من المقاتلين وبإمكانيات قليلة جداً، أما الآن فهي قوية أكثر بكثير، وتملك عدداً كبيراً من المقاتلين المنظمين المدربين جيداً، ويملكون الخبرة الكافية في خوض إي قتال يجبرون عليه، وتعمل يداً بيد مع كافة مكونات المنطقة ومن مختلف الأديان والقوميات، رافضة الاستغناء عن الأخوة والعيش المشترك بينهم رغم المحاولات، مصرة على إيصال سفينتهم إلى بر الأمان لما تملك من إيمان بشعوب المنطقة لوقوفهم بقوة خلف قواتهم التي حافظت وما زالت على عيشهم الحر وأمنهم وسلامتهم.    

في النهاية أعتقد أن ترامب سيسعى في ولايته الجديدة إلى الخروج بسياسة تؤدي إلى حد ما إلى وقف لإطلاق النار في المناطق التي تشهد حروباً وصراعات. وربما بعودته هذه سيغير المعادلة في المنطقة، لكن لن يغير السياسات. بمعنى تغيير آليات التعاطي مع تفاصيل المشهد داخل الشرق الأوسط.

آداربرس/خاص

ADARPRESS #

ــــــــــــــــــــــــ

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى