مقالات رأي

رأي في الزوبعة المُثارة حول نية سحب القوات الأمريكية من سوريا

كمال حسين

أخيراً نجح ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض، وبدأت معه مخاوف المتوجسين من هذا الوصول بالارتطام بالواقع، كما انفرجت أسارير المراهنين في تل أبيب وفي غير مكان على حقبة ترامبية جديدة يكون من شأنها خلق الظروف المواتية لخلق شرق أوسط جديد قد يكون مقدمة لستاتيكو سياسي عالمي جديد.

ولطالما كانت لحظة فارقة جرت فيها الانتخابات في ظروف اندلاع أكثر من حرب متفجرة على مساحة الكرة الأرضية. فمن الحري بالمتابع أن يلاحظ أن الانتخابات كانت أكثر من أمريكية، وكان العالم كله طرفاً في مجرياتها، وسيكون طرفاً في تلقي تفاعلاتها، والنتائج التي أسفرت وستسفر عنها.

وعلى نحو لا يخلو من دلالة فإن جمهور الخائفين من العودة الترامبية في هذه الظروف المستجدة والمتحركة صعوداً، سيما أولئك القابعين في أنقرة وطهران، وفي مراكز تسويق الفكر الإسلاموي والقومي الشوفيني الضيق، هؤلاء المسعورين وعلى رأسهم أردغان، والذي ما انفك يردد ويشحذ قاعدته السياسية على مدى الأسابيع الأخيرة حول أن الخطوة التالية بعد غزة ولبنان ستكون دمشق وبعدها الأناضول، الذي كرر إدراجها ضمن خطط الاجتياح.  

أردغان القلق عميقاً من نوايا نتنياهو حول إعادة تشكيل المنطقة، ونتنياهو نفسه الذي كان هو أكثر السعداء، وأول الساعين لهكذا عودة يراها ميمونة لمصالح إسرائيل والمحور الذي تسعى لتكريسه.

أردغان وعلى طريقة من يغني بصوت عال أثناء سيره وحيداً في الظلام الدامس يمني نفسه ويطلق العنان لآلته الدعائية تعويلاً على همروجة الانسحاب الأمريكي من سوريا.

الانسحاب الذي يعنى به إن حصل؛ خلق واقعاً جديداً يؤدي إلى تجريد قوات سوريا الديمقراطية وحواصنها الكردية من سندها الذي تحسبه القوى الظلامية وأعداء الديمقراطية سنداً رئيسياً لا تستطيع هذه القوات الاستمرار بدونه، وهي بذلك لا تخدع نفسها بل تنطلق من عمى بصيرة سياسية ترتكز في رؤيتها على جملة من المغالطات والوقائع المتعارضة مع سيرورة الأحداث والتطورات، والتي يأتي في رأسها.

أولاً، إن تصريح ترامب الذي يفيد بأنه رسم خريطة، وهو يركب في الطائرة وقال: “من مصلحة أمريكا سحب قواتها من بين قوات متحاربة تركية كبيرة وأخرى تعود للكرد” هو تصريح مجتزءٌ ومنفصلٌ عن سياقه، وغير مقنع أن يكون جاء على هذا النحو والدلالة، سيما وأن ترامب يعود اليوم إلى سُدة البيت الأبيض لولاية أخيرة بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ولينفذ سياسة قومية أمريكية اشتغلت عليها.

ثانياً، رغم أن الموقف في هكذا مسألة يتحدد أو يمكن تلمُسَهُ على ضوء هوية الفريق الذي سيعتمده ترامب في الخارجية ومكتب الأمن القومي، وفي باقي فريق الاستشاريين المؤثرين في صناعة القرار، والتي تقول حولها تقارير متابعين أن الأسماء المتداولة في الغالب من صفوف المعارضين لفكرة سحب القوات؛ فإن ما يجري على الأرض من نقل أعتدة ضخمة، وبناء مرافق هامة، قواعد تمركز وانتشار للقوات كقاعدة التنف وغيرها، يفيد بأن قراراً من هذا القبيل لا يتفق مع هذه الجهود والترتيبات المُعدة لأجل غير قصيرة.

ثالثاً، حينما تحدث ترامب في حملته الانتخابية عن إنه لو كان في البيت الأبيض لما قامت حرب أوكرانيا أو حرب غزة؛ كان يريد بذلك أن يوجه الانتقاد لإدارة بايدن الديمقراطية على أدائها الضعيف، وعلى تراخيها في ملفات مختلفة، انطلاقاً من القاعدة التي تقول: “إن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، بمعنى لو كان في موقع القرار لما سمح للأحداث أن تتطور إلى مرحلة الحرب، ولكان ضبط إيقاعها أو حسمها بوسائل سياسية مختلفة، ولكان نجح بتوظيف إمكانات الولايات المتحدة بشكل أكثر تأثيراً، ولم يكن يقصد التخلي عن أهداف الحرب، بل كان يكفي التلويح بها في كثير من الأحيان والمواقع،

وعلى ضوء ذلك يصبح من السذاجة الاستنتاج أن إدارة ترامب ستقدم على سحب قواتها قبل تحقيق الأهداف التي جاءت من أجل تحقيقها، والتي يتصدرها هدف اجتثاث الإرهاب الداعشي والإسلاموي بكل تفرعاته ومرتكزاته وتلاوينه.

رابعاً، إن المراهنة على تأثير أي انسحاب أمريكي محتمل على معادلة القوة لدى قوات سوريا الديمقراطية هو رهان خاطئ أيضاً، ولدواعي عدة يأتي في طليعتها أن هذه القوات هي تعبير عن مشروع وطني سوري له قاعدته الشعبية المتجذرة بين أطياف السوريين، وتستند في نضالها على برنامج سياسي يتسم بالنضج والوضوح، ويلامس هموم السوريين وأوجاعهم المختلفة، ويعمل على وحدتهم والتئام نسيجهم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن قوات سوريا الديمقراطية هي جزء من تحالف دولي واسع يضم بالإضافة إلى الولايات المتحدة دولاً عديدة في حلف الناتو، ومن دول الاتحاد الأوروبي، وبالنظر للألمعية التي تميزت بها هذه القوات في مواجهة الإرهاب الداعشي؛ فقد أصبحت مقصد الكثير من جسور التواصل من قبل دول مختلفة مثل روسيا الاتحادية وغيرها.

فوق كل ذلك، وعلى ضوء ما عكسته تطورات الأشهر والأسابيع الأخيرة فإن المنطقة وربما العالم  يعايش معادلة نفوذ جديدة، لإسرائيل فيها الكلمة العليا وليس لأحد آخر، وخاصة بعد زيارة نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، الأخيرة لواشنطن، وبعد خطابه أمام الكونغرس، والذي حظي بعاصفة التصفيق غير المسبوق في تاريخ العلاقات الدولية، أصبح من الواضح ومن لوازم الواقعية السياسية في التفكير الأردوغاني تتبع خطط انتشار القوات الإسرائيلية، لأنها قد تكون أكثر فعالية في موازين القوى الإقليمية من وزن انتقال بضع مئات من الجنود الأمريكيين من قاعدة إلى أخرى.

ختاماً، وبالحسم لأي جدال أو أية أوهام قد تخطر في بال أتباع الفكر الماضوي المتخلف والقوموي المأزوم في تركيا أو إيران، وفي دول عموم المنطقة، وتتناول مستقبل مشروع الأمة الديمقراطية التي تسعى قوات سوريا الديمقراطية إلى تشييده على كامل المساحة السورية؛ تأتي تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلية الجديد “جدعون ساعر” والتي تتحدث عن الكرد كأمة عظيمة، وكحلفاء طبيعيين مع باقي الأقليات، أمة وقعت ضحية ظلم جائر وتعدٍ على حقوقها من قبل الأتراك والإيرانيين وبعض الدول القومية الأخرى؛ كَرَدٍّ ساحقٍ على أوهام أردغان وعلى من لف لفه.

ــــــــــــــــــــــــ

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى