قضاء شنكال…سياسات إنكار وتهميش وهجمات متتالية
تعد شنكال من المدن الكردية العريقة التي تقع في الجزيرة الفراتية، تتمتع بموقعها الجغرافي المميز في جنوب غرب إقليم كوردستان العراق، على السفح الجنوبي من جبل شنكال. يمتد من الشرق الى الغرب مسافة (72)كم، تحف به السهول في الشمال والجنوب ويبلغ اعلى ارتفاع له (1462)م
وتعرض القضاء لتعريب في العهد الملكي 1921-1958. بعد الاحتلال البريطاني للعراق في الحرب . تعريب شنكال، وبعد وصول حزب البعث إلى الحكم في العراق عانت شنكال من ساسيات الإنكار والتهميش، وافرغت القرى الإيزيدية في جبل شنكال وانشئت مجمعات في المناطق السهلية.
بقيت منطقة شنكال تحت سلطة الحكومة المركزية في بغداد، خارج الإطار الإداري لإقليم كردستان، ولم يشملها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 688 في أبريل/نيسان 1991، واضطر الإيزيديون للتعايش مع السلطة المركزية والتابعية الإدارية لمحافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، وظلوا على هذه الحال من قبل الدولة، إلى حين حدوث التدخل العسكري الأميركي عام 2003، والذي أسفر عن اسقاط نظام صدام حسين، وإطلاق العملية السياسية في العراق القائمة على المحاصصة الطائفية، والتي تمخّضت، في الشق الذي يتعلق بالإيزيديين، عن اجراء اتفاق بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان ينص على اعتبار “قضاء شنكال” من المناطق المتنازع عليها
. وتضمن الاتفاق القائم على أساس هذه المادة الدستورية: إزالة تبعات ومظاهر عملية التعريب، ومن ثم إجراء إحصاء سكاني وتطبيع كامل، وأخيراً أجراء استفتاء على مصير وعائدية شنكال، لمعرفة هل سيتبع “القضاء” إداريا إقليم كردستان أم سيحتفظ بالوضع الذي هو عليه؟ لكنّ هذه القضية لم تُحل في حينها، وبقيت شنكال إداريا تابعة لمحافظة نينوى.
تحوّلت شنكال إلى منطقة نزاع بين السلطة المركزية (عملياً الحكومة المصغرّة في نينوى بقيادة القوميين العرب السنة)، والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حاول توطيد سلطاته ومدّ نفوذه بين السكان الإيزيديين والاعتكاز عليهم في الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات في الانتخابات المحلية في نينوى. وانعكس تضارب المصالح والتنازع على الإدارة بين الحكومة المركزية في بغداد والمحلية في نينوى من جهة، وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة أخرى، سلباً على أوضاع الإيزيديين، حيث قطع المركز مخصّصات “قضاء شنكال” بحجة هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني ولجوئه إلى سياسة “الأمر الواقع”، ومحاولته فرض إدارته .
بينما أهمل الديمقراطي الكردستاني من جانبه النواحي الخدمية والتنموية في منطقة شنكال، بحجة إنها تابعة إدارياً لنينوى وتتسلم مخصصاتها من المركز، وإن لا أوجه صرف خاصة بها ضمن ميزانية اقليم كردستان. كان كل هم الحزب الديمقراطي الكردستاني هو ضمان الحصول على أصوات الإيزيديين في الانتخابات،
تضم شنكال مجتمعات أبرزهم الإيزيديين والعرب والمسيحيين
وعانى القضاء خلال فترة قبل تعرضه لهجوم تنظيم داعش الإرهابي الذي ارتكب مجزرة وحشية بحق الإيزيديين، لسياسات إنكار وتهميش كبيرة، ولم يكن هجوم داعش الوحيد الوحشي الذي تعرض له الإيزيديين ففي آب عام 2007، تعرضت قريتي سيبا شيخ خدر وتل عزير لتفجير شاحنتين أدى لسقوط أكثر من 2000 شخص ضحيته بين جريح ومن فقد حياته.
بعد سيطرة داعش على الموصل، انتقل إلى شنكال وشن هجوماً في 3 آب 2014 مما أدى إلى إبادة الآلاف من الإيزيديين واختطاف الآلاف، وتشريد مئات الآلاف معظمهم من النساء والأطفال.
ورغم وجود أكثر من 11.000 مقاتل من قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، التي يشرف عليها سربست بابيري مسؤول الفرع 17 في الديمقراطي الكردستاني، والذي صرح في 2 أغسطس/آب 2014، أي قبل يوم واحد من وقوع هجوم “داعش” على شنكال، بأن قواته على أتم الاستعداد للدفاع عن شنكال وأهلها في وجه أي هجوم محتمل، إلا ما حدث كان العكس، فقد هاجم داعش شنكال دون مقاومة سوى ما قدمه المتطوعون الإيزيدييون من أبناء قرى شنكال .
تعاونت قوات الكريلا مع وحدات حماية الشعب والمرأة لفتح معبر من مناطق شمال وشرق سوريا “لإنقاذ الإيزيديين. وفي 8 آب 2014، وصلت قوات الكريلا إلى شنكال وبدأت عمليات الإجلاء والنقل إلى مناطق آمنة. تم تأسيس وحدات مقاومة شنكال ووحدات المرأة في شنكال لتشكيل قوة دفاعية منظمة، إلى جانب تشكيل قوات أمنية عرفت بآساييش إيزيدخان
في 15 تشرين الثاني 2015، تم تحرير شنكال بالكامل وتسلمت وحدات مقاومة شنكال ووحدات المرأة في شنكال المهام ، وأصبحت مسؤولية حماية المنطقة تقع على عاتقهم. هذه القوات تضم آلاف الشباب الإيزيدي والعربي.
وبقي قضاء شنكال منذ التحرير يعيش صراع للحصول على السلطة فيه، فحكومة إقليم كردستان من جهة والحكومة العراقية من جهة حاولتا تأسيس أرضية لإدارتهما في شنكال لكن الإيزيدييون رفضوا ذلك مع تأسيس الإدارة الذاتية في قضاء شنكال.
ومع اشتداد النقاشات بين الحكومتين، وقعت في 9 تشرين الأول 2020 اتفاقية شنكال بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية وكانت تحت مسمى تنظيم الأمور الإدارية والأمنية في شنكال
وتضمنت الاتفاقية وفق نصها التي تم الإعلان عنها، 3 بنود (ظاهرية)، وتضمن البند الأول “تشكيل إدارة مشتركة بالتعاون بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان”، والثاني “الترتيبات الأمنية والتي توكل مهمة الأمن للشرطة الاتحادية بالتعاون مع إقليم كردستان عبر إرسال 2500 من عناصر قوى الأمن الداخلي وإنهاء وجود باقي القوى الأمنية الموجودة فيها”، والثالث شمل “تقديم الخدمات بالتعاون بين الطرفين”.
إلا أن البنود لم تتطبق ولم يتم الاتفاق على تشكيل الإدارة المشتركة بين الطرفين.
وسط كل ذلك لم تتوقف محاولات التوغل العسكري من قبل الجيش العراقي والبيشمركة نحو شنكال، ولأكثر من مرة حاولوا السيطرة على نقاط وحدات مقاومة شنكال وآساييش إيزيدخان.
وفي نيسان 2017 شنت الطائرات التركية أول غاراتها الجوية ضد قضاء شنكال، لتليها هجمات متكررة من قبل الدولة التركية، بحجة محاربة” الإرهاب” وفقد العديد من القادة الإيزيديون الذين كان لهم بصمة في محاربة داعش حياتهم في الهجمات التركية.
منذ ذات الوقت تعرض قضاء شنكال لأكثر من 25هجوماً جوياً تركياً، وسط استمرار سياسات محاولة استلام زمام الإدارة والسلطة بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان.
ومع البدء بعمليات إحصاء في إقليم كردستان، يبقى ملف شنكال شائكاً، مع بقاء الالاف من الإيزيديين في مخيمات إقليم كردستان منذ هجوم داعش، وفي حال لم يتم الإحصاء الدقيق في القضاء فأن مسألة التغيير الديمغرافي في القضاء موضوع مهم يجب الإشارة إليه.
#ADARPRESS