حول أول حكومة عربية في دمشق وإسقاطـ.ـها على الحالة الكردية
بير رستم
من يرغب بفهم ماهية تشكيل الحكومات السورية منذ تأسيسها، وخاصة أول حكومة عربية في دمشق، إبان سقوط الدولة العثمانية، وقيام الثورة العربية الكبرى تحت قيادة أشراف مكة؛ “الشريف حسين” وأبنائه، فإنه سيقف على عدد من الحقائق التاريخية: أولها؛ إن العرب تحالفوا مع البريطانيين ضد “إخوتهم في الدين” لإسقاط الاحتلال العثماني لبلادهم، وهذا ردٌّ لكل من يتهم الكرد؛ بأنهم يتحالفون مع الأمريكان، حيث هم سبقونا إلى ذلك قبل قرن من الآن، واستطاعوا بمساعدة الدول الغربية تحقيق منجزهم الثوري لاستقلال شعوبهم وبلدانهم.
ثانياً؛ الحكومة العربية والتي تشكلت في أواخر عام 1918 لم تكن سورية بحتة؛ أي كانت تضم في تشكيلتها عدداً من الوزراء من مصر ولبنان والعراق، وبقيادة الأمير “فيصل” ابن الشريف حسين، وهو نفسه لم يكن من الإقليم السوري، حيث كان شعور العرب حينها هو انتماوهم لقضية واحدة تهم كل العرب، بعيداً عن مفهوم الإقليمية، والتي تحولت بعدها لوطنية مشوهة وللأسف، وهذا ما نراه اليوم في الحالة الكردية؛ حيث نعتبر أنفسنا ننتمي لقضية واحدة، متخطين حدود الجغرافيات الإقليمية المفروضة علينا بواسطة التقسيم بين دول الاحتلال والاستعباد لكردستان، كحال العرب أيام ثورتهم الكبرى، وهذا ردٌّ آخرٌ لكل من يدعي، من الكرد والعرب؛ بأن هناك عناصر كردية غير سورية في قيادة مؤسسات الإدارة الذاتية، حيث سَبَقَنا الأخوة العرب، وقبل قرن في هذهِ النقطةِ أيضاً!
ثالثاً؛ إن للثوار والشعوب آمالهم وطموحاتهم، وللمستعمرين والدول الغربية مشاريعها وخططها، حيث كان يأمل العرب أن تتكلل ثورتهم بتأسيس الدولة العربية الكبرى، والتي كانت ستضم كل الدول العربية الآسيوية، وليس فقط سوريا الكبرى أو ما تعرف ببلاد الشام، بل معها الحجاز والعراق والأردن، وحتى فلسطين ولبنان طبعاً، وذلك بحسب وعد مكماهون؛ المعتمد البريطاني في القاهرة، للشريف حسين، لكن سيتفاجأ هذا الأخير بأن كانت للدول الاستعمارية مشاريعها الخاصة بالمنطقة وأهمها؛ سايكس – بيكو ووعد بلفور، بحيث تنتدب كل من إنكلترا وفرنسا على إدارة هذه الأقاليم بعد أن يتم توزيعها كحصص ربحها من إسقاط الخلافة العثمانية، حيث سيتم رفض إعلان الحكومة العربية الأولى، والتي أعلنها الأمير فيصل في أكتوبر من عام 1918م، وذلك في مشهد سيتكرر مع الكرد والاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس مسعود بارزاني في سبتمبر 2017م.
رابعاً؛ الحكومة العربية الأولى بقيادة الأمير فيصل أرادت إقامة نظام حكم برلماني ملكي دستوري مدني بحيث تكون دولة مواطنة؛ الدين لله والوطن للجميع، وليس دولة طائفية أو قبلية، وذلك لعدم إثارة المكونات الأخرى في هذه البلاد، وخاصةً إنهم كانوا في مرحلة التأسيس والتكوين، ويحتاجون لتأييد كل مكونات البلد، لكن وللأسف تم إجهاضها وابتلينا بعدها بدول قوموية دينية عنصرية أيديولوجية.
والسؤال؛ هل سينجح الكرد في مشاريعهم الديمقراطية الليبرالية، أم سنعيد مشهد وسيناريو التجربة العربية مع الكيانات الما قبل دولتية؟
خامساً؛ بخصوص قضيتي اللغة والعلم في الحكومة العربية الأولى بدمشق، فقد تم رفع علم الثورة العربية الكبرى، والذي كان قد رفعه الأشراف في الحجاز، كَعَلَمٍ للحكومة، وأعتمد اللغة العربية، لغة التعليم في كل المراحل، ولم يقولوا لنبقي على اللغة الفرنسية، حيث إنها لغة المناهج التعليمية، كما إنهم لم يتحججوا بقضية عدم الاعتراف بها وبمناهجها، كما يفعلها كثيرٌ من كرد”نا” مع التعليم باللغة الكردية في مناطق الإدارة الذاتية.
سادساً؛ بالرغم من سقوط الخلافة العثمانية، حتى قبل إعلان الحكومة العربية في دمشق عام 1918م- حيث كان الكماليين قد استلموا السلطة فعلياً في الآستانة عام 1908م، مع الإبقاء على السلطان شكلياً ومجرداً من أي سلطات حقيقية، فقد كان العرب بدورهم ليسوا على رأي واحد، حيث البعض يطالب بإعادة الخلافة الإسلامية، وكان هناك فريق آخر تابع للكماليين ويفضلونها على حكومة فيصل العربية والوليدة حديثاً، كحال بعض “الكرد الجيدين” في يومنا، حيث يفضلون حكومة الغاصب، إن كانت في دمشق أو أنقرة وللأسف على الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا!
سابعاً؛ كانت هناك عدد من النقاط والقضايا الخلافية بين حكومتي الانتداب لكل من فرنسا وبريطانيا من جهة، والحكومة العربية في دمشق بقيادة الأمير فيصل من جهة ثانية، وهي التي أدت إلى انهيار هذه الأخيرة؛ وأولها إعلان الاستقلال في آذار من عام 1920م، بينما فرنسا كانت تريدها تحت الانتداب، ولا يضير بأن يحكمها الأمير بشرط القبول بالانتداب الفرنسي، كما أن قضية رفض “وعد بلفور” من قبل قادة الثورة العربية في كل من دمشق والحجاز، شكل سبباً آخراً لدخول الجيش الفرنسي لدمشق، واسقاط أول حكومة عربية في العصر الحديث، وذلك بعد غياب العرب عن تشكيل أي كيان سياسي لمدة تزيد عن ألف عام؛ أي منذ أيام الدولة الأموية، والتي تعتبر في نظر القوميين العرب؛ بأنها كانت عربية الهوى والهوية، وهذه تكشف عن ضحالة فكرة من يعير على الكرد عدم تشكيل دول وكيانات سياسية في العصر الحديث، فها هم أيضاً لم يشكلوا أي دولة منذ انهيار الدولة الأموية.
وبالمناسبة سيكرر كردنا بعد قرن نفس خطأ الأمير فيصل وحكومته، وذلك بعدم قبول شروط الدول المنتدبة، حيث أصرّ الرئيس مسعود بارزاني على الذهاب للاستفتاء، وعدم السماع للرأي الأمريكي بتأجيلها، ليخسر رئاسته للإقليم، ونخسر معه كركوك والكثير من الامتيازات السياسية، والتي لولاها لربما تكللت اليوم بإعلان الدولة الكردية؛ أي لولا العناد الكردي، والذي سبقنا إليها الأخوة العرب في حكومتهم الأولى في دمشق مع الأمير فيصل بن الشريف حسين، لكن إرادة الشعوب لن تموت حيث انتفض الشعب العربي عموماً في وجه الاحتلالات الأجنبية، لينهي عهود الانتداب، وتنال سوريا استقلالها بعد أكثر من ربع قرن من ثورتها وحكومتها الأولى، فهل علينا انتظار مثل تلك السنوات، أم أن عصر السرعة سوف يعجل الأمر، ويجعلنا نحن الكرد نرى كردستان حرة مستقلة في القريب القادم، ذاك هو الحلم الذي يراود كل كردي شريف ومخلص لقضيته الوطنية.