في إطار المزيد من حالات قمع الحريات والتضييق على المرأة في إيران؛ قررت حكومتها إنشاء ما تسمى بمركز للأمراض النفسية تحت مسمى “عيادة تجميل اجتماعية” للنساء اللواتي ينتهكن قواعد اللباس الصارمة، مع تفهم كثير من الإيرانيات لأشكال الاحتجاج الراديكالية مثل الاحتجاجات العارية ضد هذه القواعد.
ومن المقرر إنشاء هذا المركز في العاصمة الإيرانية طهران بميزانية تبلغ 3.5 مليون يورو من أجل ما سمته الحكومة “مساعدة” النساء اللواتي لا يلتزمن بقواعد اللباس الإسلامي، كما أفادت مهري طالبي دارستاني الأسبوع الماضي على منصة إكس. ومهري طالبي دارستاني هي رئيسة قسم المرأة والأسرة في هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” الممولة من الدولة.
وهذا الإعلان أثار في إيران موجة من الاستياء والغضب. ولذلك فقد علق عليه المستخدمون في منصة إكس متسائلين: “أليس الأهم هو إنشاء عيادة إعادة تأهيل لمكافحة الفساد؟” وَ “ألسنا نعاني من انقطاع التيار الكهربائي لدينا باستمرار؟ أليس من المنطقي استخدام هذه الأموال في مجال آخر؟”. وكذلك كتبت بوابة الإخبار الإيرانية “خبر أون لاين” متسائلة: “هذه مزحة”.
ومن جانبها حاولت حكومة الرئيس مسعود بزشكيان أن تنأى بنفسها عن هذه الخطة، مؤكدة أنَّ لا علاقة لها بهذه المسألة. “ولكن مَنْ الذي وافق على ميزانية هذا المشروع؟”، كما تساءلت بوابة الأخبار الإيرانية “جماران” في بداية الأسبوع ضمن مقال مفصل حول الاستياء والغضب في المجتمع الإيراني من هذه الفكرة.
تمرد على القمع: قضية الشابة أهو داريائي
وضمن هذا السياق أشارت بسخرية المصورة الصحفية الإيرانية عليا مطلب زاده إلى أنَّ: “هذا ‘الإبداع‘ يكمن خلفه بالتأكيد الكثير من الأبحاث والاعتبارات، ومن دون شك ميزانية كبيرة”. وأوضحت من طهران في حوار مع DW أنَّ: “المزيد من الضغط على النساء سيجعل حملاتهن الاحتجاجية ضد الحجاب الإلزامي ذات طابع راديكالي”. وعليا مطلب زاده، التي تعد أيضًا نائبة رئيس “الجمعية الإيرانية للدفاع عن حرية الصحافة”، تعرّضت للاعتقال عدة مرات بسبب نشاطها في الدفاع عن حقوق المرأة – وقد اعتقلت أخر مرة من تشرين الأول/أكتوبر 2022 حتى شباط/فبراير 2023.
وقالت عليا مطلب زاده: “تُظهر قضية الطالبة أهو داريائي، التي خلعت ملابسها ما عدا ملابسها الداخلية في مكان عام احتجاجًا على حراس الفضيلة والأخلاق، أنَّ هؤلاء الشابات الشجاعات لا يخفن من حملات الاحتجاج الراديكالية”. وأضافت أنَّ “الكثير من النساء يتفهمنها. وقد كان يوجد الكثر من التعاطف معها هنا في إيران. وعملها هذا كان نتيجة غضب تراكم لفترة طويلة بسبب القمع الشديد”.
قيادة المحتجين إلى مصحات الأمراض النفسية
وأهو داريائي طالبة عمرها 30 عامًا تدرس في جامعة آزاد الإسلامية بطهران، تم إيقافها ومضايقتها في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 بتهمة عدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح. ويقال إنَّ أجزاءً من ملابسها تمزَّقت خلال شجارها مع ما يسمى حراس الفضيلة والأخلاق.
واحتجاجًا على ذلك، خلعت ملابسها ما عدا الملابس الداخلية وجلست في فناء الجامعة. وتم اعتقالها بعد ذلك بوقت قصير. وبحسب السلطات فإنَّ هذه الطالبة تعاني من “اضطراب نفسيي” وقد تم نقلها في سيارة إسعاف إلى مصحة نفسية.
هذا وقد أعربت عليا مطلب زاده عن قلقها على وضع أهو داريائي الصحي. وذلك لأنَّ الكثر من المتظاهرين يعانون من أمراض خطيرة خلال وبعد اعتقالهم في السجون والمصحات النفسية. وهذه ليست أول مرة ينقل فيها أحد المتظاهرين إلى مصحة نفسية. فعلى سبيل المثال: لقد انتحر الصحفي والناشط الحقوقي الإيراني كيانوش سنجاري وسط طهران في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بعد معاناته من عواقب احتجازه القسري عدة مرات وعلاجه بالصدمات الكهربائية.
ما مصير الطالبة أهو داريائي؟
وحول ذلك قالت الناشطة الحقوقية والصحفية الإيرانية التي تعيش في برلين “مينا خاني” في حوار مع DW إنَّ “كل شخص يبدي مقاومة يُعتبر شخصًا مجنونًا من وجهة نظر النظام السياسي في إيران”. وأضافت أنَّ “اسم الطالبة المحتجة لم يكن معروفًا لفترة طويلة.
انتقادات من المختصين: إساءة استخدام العلم
أما فكرة إنشاء ما تسمى “عيادة تجميل اجتماعية” للنساء الرافضات الالتزام بقواعد اللباس الصارمة فيبدو أنَّها محاولة لترهيب النساء، وفي الوقت نفسه للتكيُّف مع الأساس الديني للنظام السياسي الإيراني. لقد أكدت ما تسمى بهيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” أنَّ مبادرتها هذه جاءت بناءً على رغبات ودعوات متكررة من أسر وعائلات كثيرة مهددة بالانهيار بسبب زيادة تجاهل قواعد اللباس.
وتواجه هذه المبادرات الساعية إلى إجبار النساء على تغيير سلوكهن انتقادات واضحة من المختصين في إيران. وقد أعرب عن ذلك في حوار مع صحيفة “اعتماد” اليومية الإيرانية الدكتور وحيد شريعت، أستاذ الطب النفسي في جامعة إيران للعلوم الطبية. وقال إنَّ من الخطأ الجوهري الاعتقاد أنَّ بإمكاننا تغيير أسلوب حياة الناس أو علاجهم من خلال إنشاء عيادة.
وأضاف مؤكدًا أنَّ “هذه الفكرة تمثل إساءة استخدام للغة والمفردات العلمية، وهذا يضر في نهاية المطاف بالعلم نفسه. لا يمكن تفسير المبادئ العلمية تفسيرًا تعسفيًا والإعلان كل يوم عن شيء جديد على أنَّه مرض أو شذوذ. لا يمكننا ولا يجدر بنا أن نُصنِّف وجهات نظر مختلفة على أنَّها انحراف وأن نحاول بعد ذلك ‘علاجها‘”.
من المعروف أنَّ أعداد النساء اللواتي يمتنعن عن ارتداء الحجاب الإلزامي ويعارضن قواعد اللباس الإسلامي – حتى في الأماكن العامة – بات يزداد باستمرار في إيران منذ بداية الحركة النسائية في أيلول/سبتمبر 2022. و”حراس الفضيلة والأخلاق” لم يستطيعوا إيقاف هذا التطور حتى بالرقابة الشديدة والعنيفة أحيانًا.
يشار إلى أن الاحتجاجات النسائية في إيران قد اندلعت بسبب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني، وذلك بعد احتجازها لدى الشرطة بسبب ظهور بعض الخصلات من شعرها تحت حجابها.
شابنام فون هاين