الحوار وأهميته بوصفه مَخرج في سوريا
آلدار خليل
بعد مرور أكثر من عشر سنوات لا يزال التعقيد طاغياً على المشهد السوري ولا تزال الأزمة في تعمق أكثر فأكثر؛ لا تزال الأزمة سياسياً، عسكرياً، اقتصادياً، تعليمياً ومعيشياً مستمرة بقوة دون وجود أي رادع لها، أي لا حل يلوح في الأفق.
بحكم موقع سوريا ولأسباب سياسية تحولت سوريا لساحة حرب عالمية ثالثة؛ حيث تدخلت الكثير من الجهات الخارجية في القضية السورية واحتلت البعض منها أجزاء من أراضيها، مما أدى إلى تشريد شعبها وتهجيره فبات أكثر من خمسة مليون وأكثر ما بين نازح ومهجّر ناهيكم عن أن الوضع الاقتصادي في سوريا متدهور وفي تراجع مستمر.
سوريا هي جزء هام من الشرق الأوسط الذي يعاني بأكمله من الأزمات البنيوية المعقدة في مجملها تكمن في شكل الأنظمة التي تهيمن عليها وتدير الأمور بأنماط كلاسيكية لأجل حل هذه الأزمات بشكل عام وأزمة سوريا بشكلٍ خاص يجب أن نقوم بخطوات لحل الأزمة لا لتعقيدها أكثر وهنا التشخيص هام جداً طبعاً السليم منه.
في شمال وشرق سوريا وكخطوة للحل قمنا بتقديم مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، ونؤكد أننا لم نحتكر هذا المشروع ولم يتم حسابه على طرف دون آخر كما إنه ليس معنياً بمنطقة أو ديانة أو قومية معينة بالرغم من أنه مشروع يتناول حلول لجميع القضايا والمعضلات الخاصة بالشعوب من عرب، كرد، سريان، أرمن وغيرهم، بل هو مشروع حل شامل وأي طرف يسعى للحل والسلام وتحقيق الاستقرار والعدالة والمساواة لعموم سوريا وشعبها ويرفض اقتتال الشعوب وتجزئة البلاد يستطيع أن يكون جزءاً من هذا المشروع؛ وهنا تكمن المفارقة النوعية في المنطقة بين طرح مُستحدث نابع من تشخيص دقيق وبين شكل تقليدي موجود مُسبب للأزمات ويعوّل عليه البعض بأنه يمكن أن ينتج حلولاً لمشاكل هو ذاته سببها!
لذا؛ وإذا ما تحدثنا سوريّاً؛ فإن أحد الأطراف الأساسية التي يجب أن تتقبل هذا المشروع هي حكومة دمشق، لماذا؟! لأن حكومة دمشق لديها ممثلين لدى الأمم المتحدة ولا تزال موجودة أممياً كدولة وتم تبني القرار الأممي ٢٢٥٤ (الحل بالحوار) كأساس لحل الأزمة فيها. لذلك؛ يقع على عاتقها تحمّل مسؤولية حل الأزمة السورية وعليها أن تحرص على تحقيق ذلك عبر تقبّل طرق الحل بالحوار الذي يعتبر المخرج الوحيد من أجل إنهاء المعاناة السورية.
نحن طبقنا مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية واستطعنا أن نحقق خطوات ناجحة وتأسيس قاعدة جماهيرية واسعة عبر تطبيق مبادئ الإدارة الديمقراطية اللامركزية وتوظيف هذا المشروع في خدمة سوريا وشعبها وبما يتوافق مع الحل الشامل للأزمة وما زلنا مستمرين على هذا النحو. لذلك؛ نرى بأن الشكل الأصح هو أن تقوم حكومة دمشق بتقبل لغة الحوار والتفاهم السوري – السوري، ولا بد من أن تتحمل مسؤولياتها تجاه سوريا وشعبها وأن تقبل ببدء مرحلة الحوار، بعد الانتخابات الرئاسية (أيار/ مايو الفائت) أخذت الحكومة قراراً بإعادة سوريا إلى سابق عهدها وتجنباً للمزيد من التراجع عليها أن تتبنى لغة الحوار عوضاً عن التناقض مع ذاتها والواقع وتصعيد الصراع.
هناك الكثير من الأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري وتستطيع التأثير في مواقف حكومة دمشق مثل روسيا وبعض الدول العربية المجاورة ونرحب بجهود أي طرف يدعم عملية الحوار، حيث يمكن أن يكون لهم دور وتأثير إيجابي في مسألة حل الأزمة السوريّة عبر دفع الأمور نحو حوار بنّاء وجدي، خاصةً وأن الإدارة الذاتية تتبنى لغة الحل والحوار كمبدأ أساسي واستراتيجي لها وتُبدي دوماً جهوزيتها للحوار الفعال الذي يخدم الحل في سوريا وهذه نقطة ارتكاز هامة يُمكن البناء عليها، حيث أحد أسباب تعقيد الأزمة هي عدم تقبّل الطرف الآخر والرأي الآخر ورفض التفاوض لحل الأزمة، نحن نعتقد أن عشر سنوات من الحرب والصراع والأزمة كافية لاتخاذ القرار بوضع حد لما تعاني منه سوريا عبر اعتماد الحوار والحل السلمي.
من هذا المنطلق نؤكد بأنه ما لم تجتمع كل الأطراف السورية على طاولة الحوار الوطني وتتفاوض لإيجاد حل مناسب يلبي متطلبات وتطلعات الشعب السوري بأكمله فلا أحد يستطيع أن يفعل ذلك حتى الجهات الخارجية المؤثرة في عملية الحل السياسي.
حيث تبقى لغة الحوار والحل السياسي للأزمة الطريق الأنجح للتوافق السوري – السوري، عندما تتبنى الإدارة الذاتية هذا المبدأ؛ فإن ذلك لا ينم عن ضعف، إنما مسؤولية في الانتماء إلى جزء من سوريا وسعي لنكون طرفاً في حل الأزمة. لذا؛ كل من يعتبر نفسه جزءاً من سوريا يجب أن يتحمل مسؤولياته تجاه سوريا وأن يكون منفتحاً للحوار وتقبّل الأطراف السوريّة الأخرى، والقبول بمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية على إنه قاعدة حل وطني شامل وعامل دعم قوي للحوار الوطني السوري.