من يُعرقِلْ استئنافَ الحوارِ الكُرديّ – الكُرديّ في روجآفا؟
جميل رشيد
فيما بدأ التفاؤل يسيطر على المزاج الشَّعبيّ العام والشّارع السِّياسيّ في روجآفا، بقُرب استئناف الحوار الكُرديّ – الكُرديّ بين أحزاب الوحدة الوطنيّة الكُرديّة (PYNK) وأحزاب المجلس الوطنيّ الكُرديّ في سوريّا (ENKS)، إلا أنَّه لا مؤشِّرات ملموسة على الأرض عن قُرب العودة إلى طاولة الحوار.
أسئلة عديدة تُطرح حول أسباب عدم إتمام الحوار، وكذلك حول ماهيَّة مواضيع الخلاف بين الطرفين، إضافة إلى النَّتائج المُحتملة التي يمكن أن تتمخَّض عن الحوار، وهل ستصُبُّ في مصلحة الشَّعب الكُرديّ في روجآفا، ليس على الصَّعيد السِّياسيّ فقط، بل على الصُعد الأمنيَّة، الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وهل ستتوسَّع طاولة الحوار، لتضُمَّ إليها من هم خارجها حتّى الآن، كقوى وأحزاب، وكذلك شخصيّات وطنيَّة لها وزنها السِّياسيّ والاجتماعيّ الفعّال في روجآفا؟ والسؤال الأكثر أهميَّة؛ هل ستلتزم جميع القوى المشاركة في الحوار بمخرجاته، أم سيعود كُلَّ طرف ليُغرِّدَ وحده خارج السِّرب؟ وهل ستلعب القوى الكُردستانيَّة في الأجزاء الأخرى دوراً إيجابيّاً في دفع الحوار نحو تحقيق النَّتائج المرجوَّة منه، والتي يُعلِّق عليها الشَّعب الكُرديّ، وأنَّها ستتخلّى عن سياستها في استقطاب بعض القوى، وتزيد من تَشتُّت البيت الكُرديّ في روجآفا؟
هذه الأسئلة وغيرها تَطرَحُ نفسها بإلحاح، في ظِلِّ التحدّيات العديدة التي تواجهها روجآفا، داخليّاً وخارجيّاً، خاصَّةً بعد التحوّلات الكبيرة في المنطقة، وظهور بوادر تغيير معادلات التَّوازن العسكريَّة والسِّياسيّة، والبدء ببناء تحالفات ومحاور سياسيَّة جديدة، ما يُحتَّم على الكُرد إيجاد صيغة ثابتة وشاملة لهيكليَّة لهم، تُعَدُّ كمرجعيَّة، تمكِّنهم من خلالها اختيار المكان الصحيح الذي يجب أن يقفوا فيه، وكي لا يخرجوا صفر اليدين من التحوّلات الجيوسياسيَّة الجديدة في المنطقة والعالم على غرار ما حصل لهم في القرن الماضي.
إنَّ استئناف الحوار من عدمه؛ يتوقَّف على عِدَّةِ عوامل، أوَّلها توفُّر الثِّقة بين الطرفين، بأنَّ نجاح الحوار، يَصُبُّ في مصلحة الكُلّ، والإدراك أنَّ تقديم الأعذار، ووضع الشُّروط عليه، إنَّما يَذهب به إلى الفشل، وعدم الانعقاد أصلاً، على العكس من ذلك، الاستغراق في توجيه كُلِّ طرف التُّهمة إلى الآخر وتحميله أسباب توقّف الحوار، ومن ثُمَّ الاستغراق في التَّفاصيل الجُزئيَّة، يمكن أن تعرقل الحوار وتنسفه من أساسه كما في المرّات الماضية. من المُفترَض أن يتوجَّه الكُلُّ للجلوس حول الطاولة بِنيَّة إنجاح الحوار، وليس تسجيل النِّقاط على بعضهم. وفي هذا المجال يجب الابتعاد قدر الإمكان عن الفلسفة الذَّرائعيَّة والمحاججة العقيمة، والالتفات إلى بحث القضايا المصيريَّة والجوهريَّة التي تتعلَّق بمصير الشَّعب الكُرديّ، وبالتّالي انتهاج خطابٍ تصالحيٍّ – أخويٍّ، وعدم الرّجوع للوراء في محاسبة كُلِّ طرف للآخر عن الأخطاء التي ارتكبها بحقِّ الآخر سابقاً، أو “فتح الدفاتر القديمة”، كما يقول المثل الشَّعبيّ.
في ذات الوقت، إنَّ إبداء الحرص على إنجاح الحوار له إطاره ومناخه الدّاخليّ والخارجيّ، فإطار الحوار ومآله يتمحور حول مسألة جوهريَّة؛ تتمثَّل في الوصول إلى هيكليَّة أو جسم سياسيّ كُرديّ جامع، يحظى بالشَّرعيَّة الشَّعبيَّة قبل الدّوليّة والإقليميَّة، ويأخذ بعين الاعتبار التَّمثيل العادل والوازن للقوى السِّياسيّة والأحزاب في روجآفا، إضافة إلى ضرورة وجود شخصيَّات وطنية يُشهدَ لها بالوطنيّة وبالحرص على ترتيب البيت الكُرديّ، وألا تكون هامشيَّة. فيما يجب ألا تُستثنى أيّاً من القوى والأحزاب السِّياسيّة خارج طاولة الحوار، فأيُّ تهميش واستبعاد لها، سيجعل الحوار منقوصاً وأعرجاً ولا يُسفر عن النتائج المتوخّاة منه. وهذه النَّواقص والأخطاء طالت الجولات الأولى من الحوار قبل أكثر من ثلاثة أعوام، ويجب أن يَتُمَّ تفاديها في الجولات القادمة، إن كان لدى الطرفين جدّيَّة في إنجاح الحوار.
المجلس الوطنيّ الكُرديّ، وباعتباره جزء من الإئتلاف، فإنَّه يتوجَّب عليه أن يُحدِّد موقفه بكُلِّ وضوح من استمرار وجوده ضمن صفوفه، ولا يُخفى على أحد أنَّ الأخير يعادي الشَّعب الكُرديّ وحقوقه المشروعة، خاصَّةً بعد أن وقع تحت السَّيطرة التُّركيَّة وجماعة الإخوان المسلمين، بل يُفترض به أن ينسحب من صفوفه ويقطع كُلَّ علاقاته السِّياسيّة والماليَّة والتَّنسيقيَّة معه. وإن كانت هناك بعض الشَّخصيّات من صفوف المجلس مُتمسِّكة بالبقاء ضمن الإئتلاف، يجب على المجلس اتّخاذ إجراءات زجريَّة ضُدَّهم، حتّى تصل إلى الطرد من صفوفه، وسحب شرعيَّة تمثيله في الإئتلاف منه، وهذا ما سيُعزِّز الثِّقة لدى الطرف الآخر والشَّعب الكُرديّ، ورُبَّما تكون هذه الخطوة مفتاح الوصول إلى نتائج سريعة من الحوار. والسؤال؛ هل يمتلك المجلس الوطنيّ الجرأة في اتّخاذ قرار الانسحاب من الإئتلاف؟ كُلُّ المعطيات تؤكِّدُ بأنَّ المجلس غير قادر على الانسحاب من الإئتلاف، وهذا ما يُعَدُّ سبباً رئيسيّاً في التشكيك بنواياه من قبل الطرف الآخر، ويَفقد معه المجلس مصداقيَّته أمام الشَّعب الكُرديّ. وقرار تعليق عمله ضمن الإئتلاف ردّاً على انتهاكات مرتزقة الاحتلال التُّركيّ في عفرين، وبمجرّد أن تَمَّ التَّوقيع على مُذكَّرة تفاهم شكليَّة لا قيمة لها على أرض الواقع، حتّى عاد المجلس للمشاركة في أعمال الإئتلاف، رغم أنَّه لا سلطة للإئتلاف على مجاميع المرتزِقة في عفرين وغيرها من المناطق السُّوريّة المُحتلَّة. وكذلك فتح مكتب له في عفرين، دون أن يكون لديه صلاحيَّة حتّى في حماية طفل كُرديّ، يزيد الهوَّة ما بين المجلس وأحزاب الوحدة الوطنيَّة.
كما أنَّ الاجتماع الذي عقده “عبد الحكيم بشّار” مع مجموعة من شخصيّات المجلس في هولير/ أربيل، حول مناقشة التَّحضيرات لما بعد استلام الرَّئيس الأمريكيّ المنتخب “ترامب” مفاتيح البيت الأبيض، ومن انسحاب القوّات الأمريكيَّة من مناطق روجآفا وشمال وشرق سوريّا، والتَّحضير للدّخول على ظهر الدبّابة التُّركيَّة، والتَّمهيد لإدخال ما تُسمّى بـ”بيشمركة روج”، لتكون بديلاً عن قوّات سوريّا الدّيمقراطيَّة، ومن ثُمَّ ضرب الإدارة الذّاتيَّة. تَحرُّكات “بشّار” تُعاكس حتّى توجُّهات المجلس وأهدافه، وينبري على قيادة الحزب الدّيمقراطيّ الكُردستانيّ – العراق، باعتباره صانع سياسات المجلس، لجمه، وعدم إفساح المجال أمامه لتعكير صفو العلاقات الكُرديّة – الكُرديّة، وتفتح الطريق أمام إظهار نواياها الحَسَنة في دعم الحوار، إن كانت فعلاً حريصة على أن ينعم روجآفا بالأمن والاستقرار. فإن كانت قد لعبت دوراً إيجابيّاً في التَّقريب بين الحركات والأحزاب الكُرديّة في بداية الأزمة السُّوريّة، ورعايتها للحوار آنذاك في الوصول إلى إعلان “الهيئة الكُرديّة العليا”، ولاحقاً “المرجعيَّة الكُرديّة”، فإنَّه يتوجب عليه أن يلعب ذات الدَّور، وهو قادر على ذلك، ويملك إمكانيّات الضَّغط على المجلس الوطنيّ في الالتزام بالمُحدِّدات الوطنيّة للحوار.
هل ستلعب الإدارة الأمريكيَّة وفرنسا دوراً مساعداً في التَّقريب بين الطرفين المتحاورين، كما في المَرَّة السّابقة، وتشرف على تقدُّم الحوار، أم أنَّ الحوار الكُرديّ – الكُرديّ أصبح آخر اهتماماتها، ولن تتوفَّر فرصة أمام أيّ دور لها قبل تولّي إدارة “ترامب” الجديدة زمام البيت الأبيض؟ يبدو أنَّ إدارة “بايدن” ستُساهم في رُبع السّاعة الأخيرة إلى المساهمة في استئناف الحوار، في مسعى لترتيبات جديدة تُعِدُّها على صعيد المنطقة ككُلّ، واعتبارها أنَّ الكُرد عامل فعّال في المعادلة السِّياسيّة والجديدة في المنطقة.
تبقى تركيّا هي الطرف الوحيد الرّافض للحوار الكُرديّ – الكُرديّ، وهي تحاول بشتّى الوسائل عرقلته، حتّى وإن أطلق دون إرادتها؛ فإنَّها تحاول أن تفرض عليه شروطها عبر بعد الشَّخصيّات المرتبطة بها، إلا أنَّ مراهناتها عليهم ستسقط أمام أوَّل إنجاز يحقِّقه الحوار.
من جانبها الحكومة السُّوريّة، لم يظهر منها أيُّ ردِّ فعل أو موقف حيال الحوار الكُرديّ – الكُرديّ، خاصة بعد انشغالها بهجوم ما تسمى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وسيطرتها على حلب وكامل إدلب، وبتخفيف الضغوط الدّوليَّة والإقليميَّة عن نفسها، ولا تجد مُتَّسَعاً من الوقت لإيلاء الحوار بين الكُرد الاهتمام اللّازم، إلا أنَّها في النِّهاية مدعوَّة أن تدعم هذا الحوار، لأنَّه يفتح الطريق أمام حوار وطنيّ سوريّ واسع، تكون هي أحد الأطراف المُشاركة فيه، أي أنَّها معنيَّة بإنجاح الحوار الكُرديّ – الكُرديّ بشكل أو بآخر، ولا يجب عليها أن تنظر إليها وفق المنظور التُّركيّ العدائيّ، لطالما أنَّ الكُرد جزء من المعادلة الوطنيّة السُّوريّة الآن ومستقبلاً.