عَرَّابُ الإرهـ.ـاب يدفع الهيئة إلى فـ.ـخ حلب لتحقيق حلم تركي دام قرن
رياض يوسف
في الساعات القليلة بعد وقف إطلاق النار في لبنان، لم يكن أحد يتوقع أن هناك من يعمل على إعادة خلط الأوراق بمثل هذه السرعة الفائقة، التي يبدو أنها كانت مخططة لها سلفاً، ولم يكن من باب الصدفة أن تعمد الفصائل المرتزقة التابعة لدولة الاحتلال التركي في شمال غربي سوريا إلى شن هجوم بهذا الحجم بمعزل عمّا يجري في المنطقة، من دون أن تحصل على دعم خارجي (إقليمي) أو على الأقل، تتلقى ضوءاً أخضر بفتح حرب جديدة، خدمة لمصالحها.
ما إن اتفقت إسرائيل مع لبنان بقرار دولي على إيقاف إطلاق النار بينهما، سارعت مرتزقة ما تمسى بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكي، ومجاميع المرتزقة التابعة لدولة الاحتلال التركي بشن هجوم مفاجئ على مدينة حلب، ليتوسع بعد حلب إلى حماة، تزامناً مع هروب قوات الحكومة السورية دون أية مقاومة تذكر، تاركين أهالي تلك المناطق لمصيرهم المجهول.
الوضع الحالي لا يحتمل التأويل لصعوبته وتشعباته، ولا يحتاج إلى تقدير السيناريوهات المحتملة فقط الغموض هو سيد الموقف، حاولنا الانتظار إلى حين وضوح المشهد الذي يسوده الضبابية، لكن تسارع الأحداث، والكثير من الأسباب والدوافع والتصريحات والمخططات السابقة دفعتنا إلى تفسير الجزء اليسير من تلك المجريات، عَلَّنا نستطيع إيصال بعض الأفكار لقرائنا ومتابعينا الأعزاء.
في كل معركة هناك مستفيد، وهو المحرض والداعم، والذي يقود تلك الحرب من غرفة عمليات تتحكم بكل شاردة وواردة، يخفي أطماعه وأجنداته إعلامياً، بل ويتنكر لكل ما يجري على الأرض، ويقود هذه العمليات بشكل فعلي على الأرض.
إذا نظرنا إلى أسباب ودوافع ومجريات هذا الهجوم لرأينا بأنه كان حلم دولة الاحتلال التركي منذ انهيار الميثاق المللي بعد اتفاقية سايكس بيكو، وتقسيم مناطق ذلك الميثاق بين دول الانتداب آنذاك هو استعادة حلب. إلى جانب ذلك حلمه في ضرب مشروع الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا. واستمرار الإبادة الجماعية بحق أقليات المنطقة، والشعب الكردي على وجه الخصوص.
أسباب كثيرة دفعت دولة الاحتلال التركي للقيام بهذه الحرب دون أن تخسر نقطة دم تركية، وأهم هذه الأسباب:
أن تبرهن لإسرائيل والدول الفاعلة في الأزمة السورية أنها قادرة على تغيير الواقع على الأرض، وأنها قادرة على التأثير فيمَ جرى ويجري من حرب بين إسرائيل ولبنان وبينها وبين حركة حماس في غزة، وحماية إسرائيل ضد التهديدات الحالية والمستقبلية وخاصة من إيران، وأنها قادرة على أن تأخذ حيزاً فيمَ ستؤول إليه الأوضاع من تغييرات جيوستراتيجية، وتغيير موازين القوى، ونقاط ارتكاز واعتماد أمريكا والدول الغربية في المنطقة.
كما أن أردوغان عرض على حكومة دمشق التصالح مع ما تسمى بالمعارضة السورية، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة لضرب قوات سوريا الديمقراطية، وإسقاط الإدارة الذاتية، قَدَّمَ تنازلات عدة، وطلب التوسط بينه وبين الأسد، حد التوسّل؛ لكن دون جدوى، بسبب مطالبة الحكومة السورية بالانسحاب من أراضيها التي احتلها، وأصر عليها، ثم التف على المعارضة وباعها، وطلب التصالح مع الأسد دونها، ولكن دون جدوى، فقرر القيام بهذه الحرب؛ التي فُسِّرَتْ على أنها محاولة من جانب إردوغان لتحقيق إنجاز بالمجان وهي استعادة مدينة حلب؛ التي ينظرون إليها أنها تركية وستبقى؛ فأمر مجاميع المرتزقة القيام بدور تركيا في استعادتها، ليتقدم إلى مناطق جديدة كانت ضمن سيطرة الحكومة السورية. والقوات التي تحمي المناطق الكردية.
كذلك لإضعاف قوات تحرير عفرين في مناطق تل رفعت والشهباء والمناطق القريبة من عفرين، حيث بدأ باحتلالها فور السيطرة على مدينة حلب، وتقوية مرتزقته في عفرين وكري سبي وإعزاز وجرابلس المحتلة.
إضافة إلى ذلك من الممكن أن يجعل حلب وسيلة للتفاوض مع الحكومة السورية على طاولة مفاوضات مستقبلية، دون التنازل عنها؛ للقضاء على الكرد وشركائهم وإدارتهم الذاتية. مستغلة بذلك الضعف الإيراني في المنطقة، بعد تعرض ميليشياتها لهجمات إسرائيلية فقدتهم قوتهم وسيطرتهم على الأرض، وكذلك الضعف الروسي، وانشغاله بالحرب في أوكرانيا، وسحب عدد كبير من قواته وعتاده لدعم جبهة أوكرانيا.
من جهة أخرى، فإن ما يحصل مؤخراً من تسارع في مجريات الأحداث على الأرض؛ يجسد حقيقة تقسيم سوريا إلى أربع دويلات أو أقاليم، سمها ما شئت، وهي: إقليم سني في الشمال تحت النفوذ التركي الإخواني الإسلامي الراديكالي بنكهة طالبانية أفغانية، وقسم يضم دمشق والمناطق الساحلية، تحت سيطرة الحكومة السورية وروسيا وإيران، وقسم جنوبي درزي ربما يصبح هو الآخر بحماية إسرائيلية، وقد يمتد على الشريط الحدودي الجنوبي ليصل إلى حدود العراق، وإقليم في شمال وشرق سوريا، يلعب الكرد دوراً مهماً فيه، يوجد فيه النفوذ الأمريكي والتحالف الدولي. والذي طالب، وما زال بتطبيق القرار الدولي 2254، وانتقال سلمي للسلطة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف أممي، ووضع دستور سوري جديد يضمن حقوق كافة السوريين في سوريا موحدة ذات سيادة.
وهنا يمكن للشعب السوري بكل أطيافه وقومياته وأديانه المقارنة بين مشروعين إن صح التعبير؛ مشروع سلفي إسلامي راديكالي بنكهة طالبانية تديرها دولة الاحتلال التركي، ومشروع يدعو للعيش المشترك وأخوة الشعوب ووحدة سوريا أرضاً وشعباً.
ولكن المحير في الأمر كيف لجماعة سلفية تمثل تنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا، ومصنفة على قوائم الإرهاب العالمي أن تمتلك كل هذه الأسلحة والذخيرة وتحارب، وتحتل مناطق في ظل تواجد هذا النظام العالمي الذي صنفه إرهابياً؛ دون أن يقوم هذا النظام بوضع حد له؟ وتتركه في إدلب كقوة تزداد غطرسة وشراسة، وعلى رأسهم روسيا التي حققت حلم تركيا في السيطرة على حلب، ورسم حدود ميثاقها المللي الممتد إلى الموصل وكركوك في إقليم كردستان.
لذا على الأنظمة الدولية والإقليمية والعربية أن تدرك خطورة المؤامرة التي يشاركون فيها، أو يتجاهلونها، أو يتجنبون الحديث عنها بشكل أو بآخر؛ أن الامتداد التركي العثماني أخطر من الامتداد الشيعي بعشرات الأضعاف، كون مناطقها كانت وما زالت بؤرة انتاج الإرهاب العالمي في المعمورة.
وأن هذه التنظيمات لم تخرج يوماً من عباءة أجندات دولة الاحتلال التركي مهما تعدّدت الروايات حول مصادر تمويلها وتسليحها؛ فكيف باتّخاذ قرار مستقلّ عن الدولة الراعية لوجودها، وبهذا الحجم.
في النهاية المنطقة مقدمة على خيارين لا ثالث لهما:
الأول أن تقوم الحكومة السورية بدعم من روسيا والميليشيات الإيرانية وحزب الله بفتح جبهة ضد مرتزقة تركيا لاستعادة كافة المناطق التي دخلوها على حسابهم، وهذا الخيار ربما يكون صعباً، كون القيام بهذه العملية من عدمها مرتبط ربما برفع العقوبات عن سوريا، ويقف بالتضاد مع ما طُلِبَ منه عربياً ودولياً بقطع علاقاته مع إيران وحزب الله مقابل تعويمه.
والثاني أن تذهب سوريا إلى التقسيم وبالهيكلية التي أشرنا إليها آنفاً. وتستسلم الحكومة السورية لأجندات تركيا في المنطقة، وتنتظر دوراً عربياً فاعلاً يقطع دابرها في سوريا، هذا إن تمكنت من ذلك.