مانشيتمقالات رأي

هل تريد أن تعرف كيف سقط نظام الأسد؟!

بير رستم

وضعت ذاك العنوان طبعاً لألفت انتباهك، ولكي تكمل قراءة المقال، وأوصل قراءتي لمجمل المشهد السياسي، وكيف أن كرة النار، وليس الثلج، أو بالأحرى كرات النار انطلقت من ثلاث محاور، وأحرقت النظام البائد الأسدي البعثي البوليسي الأمني، ليزهر ربيع سوري حقيقي، وليس ربيع إخواني قطري أردوغاني مع حلفائهم الروس والإيرانيين ضمن محور أستانة.

نعم منذ سنوات وهؤلاء، وأقصد محور أستانة؛ محور الشر والاستبداد الإخواني مع حلفائهم الإقليميين والدوليين- كانوا يتاجرون بالدم السوري، لكن ومع تغطرس هؤلاء وبالأخص إيران؛ وتحت مسمى “محور المقاومة” ومغامرة حماس في هجومهم الإرهابي ب ٧ أكتوبر، وذلك لإفشال ما كانت أمريكا تعمل عليه في قضية التطبيع العربي – الإسرائيلي بقيادة المملكة العربية السعودية، وقيام إسرائيل بضرب غزة وحماس، ودخول إيران مجدداً من خلال تحريك ذراعها القوي، أو بالأحرى أقوى أذرعها بالمنطقة؛ ونقصد حزب الله، تحت مسمى “ربط الساحات”، وكانت هذه ثاني الأخطاء الإستراتيجية التي وقعت بها إيران، وذلك بالرغم من الحنكة السياسية والديبلوماسية لإيران، لكن مثلما يقال؛ بأن “غلطة الشاطر بألف”، وفعلاً كانت بألف، حيث وجدت إسرائيل ومن خلفها أمريكا؛ بأن الفرصة باتت سانحة لتدمير إيران، أو على الأقل مبدئياً قطع أذرعها، وإخراجها من المنطقة، وليس فقط من لبنان، بل من سوريا أيضاً، وقريباً العراق وباقي دول المنطقة، ولا نستبعد وصولاً لطهران وإسقاط نظام الملالي فيه، واستبداله بنظام يحقق الدولة الاتحادية الفيدرالية لكل شعوبها!

نعم تلك الأخطاء الإستراتيجية القاتلة جعلت إيران تدفع الأثمان الغالية، حيث وبعد عام تدمرت غزة وحماس، وبعده كان حزب الله وجنوب لبنان، وأخيراً جاء الدور على سوريا، حيث أستطاع الإسرائيليين والأمريكيين من خلفهم، ليس فقط تدمير وقطع أذرع إيران بالمنطقة، بل وأيضاً إقناع حلفائه في تحالف أستانة بالتخلي عنها، وكانت هذه الطعنة القاتلة، حيث تم إغراء الروس بحل مشكلته مع أوكرانيا وإخراجها من ذاك المستنقع كمنتصر، وذلك بجعله يحتفظ بما أحتلتها من الأراضي الأوكرانية، ومن جهة أخرى بالإبقاء على قواعدها في الساحل السوري، الإقليم العلوي، الذي سيبقى تحت الحماية الروسية، بينما تركيا وبقناعتي تم إغراؤها بأن تبقي الشمال الغربي تحت نفوذ ميليشياتها مع بعض التمدد على حساب قوات سوريا الديموقراطية في مناطق تل رفعت والشهباء، وربما حتى منبج، وصولاً لحدود نهر الفرات، كحدود فاصلة بين الإقليم السني التركي، وإقليم شمال وشرق سوريا الذي تحت الحماية الأمريكية، وربما تم الوعد لأردوغان بالعمل والتوسط لدى الأوروبيين لتصبح تركيا ضمن النادي الأوروبي، والانضمام لذاك الاتحاد؛ والذي هو حلم تركيا وأردوغان.

وهكذا رُسِمَ الفخ لتركيا، كما وصفها مستشار المرشد الأعلى لخامنئي، وذلك عندما قال؛ لم نتوقع بأن تقع تركيا في الفخ.

وسوف نشرح كيف أن تركيا فعلاً وقعت بالفخ، وبعد أن أدركت ذلك ركضت للدوحة للتنسيق مع حلفائها الإيرانيين والروس وبدعم قطري، لكن كان السيف قد سبق العزل، كما يقال، حيث أعتقد الأتراك أو هكذا أُفْهِمَ لهم؛ بأن الميليشيات الخاضعة له ستهاجم مناطق تل رفعت والشهباء وتأخذها من الكرد، بينما قوات هيئة التحرير ستهاجم على بعض القرى والمناطق؛ التي كان الجيش السوري للنظام قد سيطر عليها، وبذلك تعود القوات لخطوطها السابقة بحسب التفاهمات القديمة للدول الضامنة، وبذلك، وبعد احتلال عدد من القرى والبلدات، ووقوعها بيد المعارضة ستقوى الورقة التركية ليجبر النظام والأسد بالجلوس مع أردوغان.

لكن الذي حصل وكما قلنا؛ بأنها كانت لعبة وفخ وقعت بها تركيا، بالرغم من التحذير الإيراني لها، وهكذا وجدنا بأن الميليشيات الخاضعة لتركيا اكتفت بالمناطق الواقعة تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية، بينما أكملت هيئة التحرير طريقها وأخذت حلب، بل وأكملت طريقها لحماة وحمص أيضاً، ومنعت بعض الميليشيات الخاضعة لتركيا والإخوان من المشاركة معها؛ حيث وجدنا عمليتين، إحداهما تحت مسمى “رد العدوان” تحت قيادة هيئة تحرير الشام، بينما جماعات تركيا والإخوان اسموا عمليتهم بـ “فجر الحرية” والتي دفعت بها نحو المناطق الشرقية للاصطدام بقوات سوريا الديمقراطية، وهنا عندما شعرت تركيا؛ بأنها خُدِعَتْ، وبأن هناك من أوقعتها بالفخ؛ ركضت لقطر، وحاولت مع إيران والروس، محور أستانة، إيقاف العملية، وذلك من خلال الدعوة لوقف العمليات العسكرية، والدخول في المفاوضات بين النظام والمعارضة، لكن القرار الأمريكي الإسرائيلي لهيئة التحرير كان واضحاً؛ ألا وهو استكمال الطريق نحو الداخل في وسط البلاد، وبنفس الوقت بدأت إسرائيل بتحريك غرفة عمليات الجنوب وبالمناسبة هؤلاء؛ أي الجماعات المسلحة في الجنوب وصلت ودخلت دمشق قبل أن يصل الجولاني وقواته لدمشق.

طبعأ بقي المحور الثالث والأهم؛ ألا وهي دور قوات سوريا الديمقراطية حيث معبر البوكمال، والذي كان أخطر النقاط التي يمكن أن تهدد كل المشروع بالفشل، وكان ممر إيران من طهران لبيروت مروراً ببغداد ودمشق، وذلك لتغذية أذرعها الميليشياوية في المنطقة بالأعتدة والسلاح وحتى الرجال أحياناً، وهنا تحركت قسد وضربت خلايا تنظيم داعش الإرهابي والسيطرة على تلك المنطقة وبالتالي إغلاق ذلك الممر، وكذلك تحركت قوات سوريا الحرة لاستكمال إغلاق الحدود السورية العراقية أمام الميليشيات الحشدية، وبذلك استكملت دائرة الإغلاق والخنق على النظام السوري.

لكن كل هذا وذاك ما كان أن ينجح لولا الإجراء الأخير بقناعتي؛ ألا وهو تهديد النظام الإيراني بالإسقاط من خلال توجيه ضربات جوية مباشرة لها من قبل إسرائيل وربما حتى أمريكا؛ حيث لولا ذاك لكانت دفعت بميليشيات الحشد الشعبي العراقي للدخول ومساعدة النظام السوري، أو على الأقل كانت دفعت بالسلاح الجوي السوري لضرب تلك القوات التي كانت تتحرك في وضح النهار من مدينة لمدينة، ودون أن تتعرض لضربة صاروخية من طيران حربي أو راجمات صواريخ، حيث كانت قوات هيئة التحرير يتحركون ببعض العربات وحتى سيارات عادية يلوحون بأسلحتهم، وهم مكشوفون كلياً.

نعم إنني على قناعة تامة؛ بأن كل من إيران والعراق والنظام السوري تم تهديدهم أمريكياً إسرائيلياً باستهدافهم بشكل تدميري، إذا لم يرضوا بهذا السيناريو في إسقاط النظام، حيث عرفنا أن الروس عقدوا صفقة مع الطرف الآخر، كما أوضحنا، وبالتالي لم تحرك طيرانها وراجماتها بكامل قوتها، لكن أن تبقى إيران هي الأخرى بدون حركة، وتكتفي ببعض الجهود الديبلوماسية، بل وحتى الحشد الشيعي العراقي والحوثيين في اليمن يتوقفون جميعاً، وهم يتفرجون على سقوط النظام ومعهم حزب الله اللبناني، والطريف المضحك أكثر هو عدم تحريك النظام لسلاحه الجوي؛ الطيران، إن كان المروحي أو ثابت الجناح بالإقلاع وضرب تلك الحشود والقوات التي كانت تحتل مدينة وراء مدينة، وكأن النظام ومعه كل حلفائه في محور “المقاومة” تحولوا لحمائم سلام بقدرة قادر، وهم الذين ارتكبوا الفظائع بحق الشعب السوري والآخرين أيضاً!

إذاً القضية كان فيها “إنَّ”، كما ترد في عدد من اللقطات الكوميدية، ومنها مسرحية مغربية بنفس الاسم، وأعتقد قد أوضحنا بأنها ليست “إنّ” واحدة، بل مجموعة منها، لنصل بالأخير ونقول؛ بأن الفخ والطعم الذي بلعه أردوغان لن ينهي فقط النفوذ الإيراني بالمنطقة، والذي كان يسيل لعاب تركيا لها، وتحلم بأن تتمدد على حسابه، بل سيتم قصقصة أجنحة أو بالأحرى ذيول هذه الأخيرة أيضاً، قلنا ذيول كون تركيا تريد أن تتشبه بالذئاب كرمز عنصري طوراني فاشي لها، وليس بنسر يحلق في السماء؛ ولذلك أتباعها ستكون ذيول وليس أجنحة لها، نعم سيتم قص ذيولها هي الأخرى، حيث وبعد إخراج إيران، وفناء المعسكر الإشتراكي والتهديد الشيوعي، لا وذهاب تركيا نحو المحور الشرقي الروسي الصيني، باتت لا تحظى بتلك الرعاية والدعم الأمريكي، بدليل إن الأمريكان خذلوها حتى في صراعها مع قوات سوريا الديمقراطية، ولم يوافقوا على شروط تركيا في القضاء على الإدارة الذاتية، بل والأخطر حالياً هو ما قامت بها إسرائيل وأمريكا؛ بأن جعلا هناك نوع من التفاهم بين قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام مع حماية ودعم لهما وهو ما سيجعل الورقة التركية الإخوانية ضعيفة بخصوص رسم مستقبل سوريا القادمة الجديدة الاتحادية الفيدرالية.

وهكذا أستطاع السعوديين والإسرائليين وبرعاية وتخطيط أمريكي الانتقام من الإيرانيين والروس والأتراك مجتمعين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى