مانشيتمقالات رأي

روسيا تمنح الأسد اللجوء الإنساني بدل السياسي.. لماذا؟

رياض يوسف

لم تتوقف خيانة روسيا للشعب السوري على ارتكاب أبشع المجازر بحقهم، وتشريد ما بقي منهم ليصبحوا لاجئين في دول الشتات، ونازحون يعيشون في الخيام، يصارعون الموت في مخيمات لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة، بل استمرت حتى بعد سقوط نظام البعث.

هرب بشار الأسد دون أن يخبر أحداً بوجهته، تاركاً خلفه مأسي وويلات ظهر بعضها، والبعض الآخر سيتكفل به الزمن ليظهره، تاركاً خلفه حقبة من القمع، وسجوناً باتت حديث الساعة لجميع الوكالات العالمية قبل المحلية؛ متجهاً إلى روسيا التي لطالما ساندته وقتلت من الشعب السوري. لتمنحه اللجوء ولكن بشقه الإنساني وليس السياسي، لتستمر روسيا في دعم هذا الطاغية حتى بعد سقوطه.

ولأن قضايا اللجوء من المواضيع الحساسة والمعقدة في الساحة الدولية، في الوقت الراهن؛ يتجلى الفرق بين اللجوء السياسي واللجوء الإنساني في الأهداف والظروف التي تحكم كل نوع منهم، وتتضمن أيضاً الحقوق والميزات التي تمنح لـ اللاجئ.

ربما الكثير لا يدرك الفرق بينهما، ففي هذا المقال سنحاول لفت الانتباه إلى السبب الذي دفعت روسيا للقيام بهكذا خطوة، واختيار منح اللجوء الإنساني بدل السياسي لبشار الأسد. ونُطْلِعَ القارىء على الفرق بين كلا الصيغتين من اللجوء..

أولاً، اللجوء السياسي؛ والذي يُعرَّف بأنه الحماية الممنوحة للأفراد الذين يواجهون خطراً مباشراً بسبب مواقفهم السياسية أو آرائهم في الدولة التي خرجوا منها.

ويُعتبر هذا النوع من اللجوء اعترافاً بمعاناة الشخص بسبب نشاطه السياسي، وعادةً ما يُمنح للمعارضين السياسيين أو المنشقين عن الأنظمة الديكتاتورية في بلدهم، يُعبر اللجوء السياسي عن إدانة ضمنية للدولة المستضيفة للنظام الذي يلاحق هؤلاء الأفراد، ويترتب على اللاجئ في هذه الحالة عدم مغادرة البلد المستضيف ولو بهدف الزيارة، إلا بموافقة أمنية من الدولة المستضيفة التي منحته اللجوء السياسي، كما هو حال غالبية ضباط وأفراد ومواطني الشعب السوري في دول الشتات.

ثانياً، اللجوء الإنساني، ويعتبر على النقيض تماماً من اللجوء السياسي، حيث يركز هذا اللجوء على حماية الأشخاص الفارين من الحروب أو الكوارث أو الظروف المعيشية الصعبة التي تهدد حياتهم، ولا يتضمن هذا النوع أي اعتراف سياسي، بل يُمنح بدوافع إنسانية بحتة، مثل زواج شخص من شخص آخر من غير دينه، ويكون هذا الزواج منافياً ومخالفاً لعادات وتقاليد الدين الآخر في الدولة القادمة منها، وبهذه الطريقة تكون الدولة المانحة لـ اللجوء قد جنبت نفسها الصراعات الدبلوماسية مع دولة الشخص الذي طلب اللجوء.

وهنا يطفو على السطح سؤال مفاده لماذا اختارت روسيا منح بشار الأسد اللجوء الإنساني بدل السياسي؟ أسباب عدة دفعت روسيا لتقديم هذا المنح؛ تعكس اعتبارات استراتيجية ودبلوماسية متعددة استخدمتها روسيا كمناورة دبلوماسية وسياسية وهي:

أولاً، المحافظة على موقعها كدولة محايدة غير منحازة لطرف دون الآخر، فإذا منحت روسيا اللجوء السياسي للأسد، فإن ذلك يعني الاعتراف بأنه غير قادر على حكم بلاده. وبأن حياته مهددة في بلده، كما ذكرنا آنفاً. وهذا الأمر يضعف في المقام الأول الدور الروسي أمام الرأي العام العالمي، باعتبار روسيا كانت الداعمة الأولى للأسد، وأي تهديد كان يشكل على الأسد؛ كانت دليلاً على ضعف الدور الروسي، وهذا ما تفادته روسيا بالدرجة الأولى في قضية المنح هذه.

ثانياً، تجنبت روسيا، بمنحها اللجوء الإنساني لبشار؛ استفزاز القوى العالمية، حيث يعتبر منح اللجوء السياسي تحدياً وتصعيداً في وجه تلك القوى، وقد يزيد من تعقيد الأزمة السورية نفسها. أما اللجوء الإنساني فيمكن أن توضع في إطار إنساني قد يخفف من حدة ردود الفعل الدولية السلبية بهذا الاتجاه.

ثالثاً، ربما تحتمل روسيا، بقيامها بخطوة مثل هذه، وضع حل سياسي سوري، وبالتالي الحفاظ على ما تبقى من ماء وجه الأسد، حسب ظنها، ولتبقيه بعيداً عن المشهد، وبالتالي تقديم روسيا كطرف يدعم الحلول السياسية، ويحافظ على مكانتها بين الدول المؤثرة، إلا أنه من الصعب جداً أن يتم الموافقة على هذا الطرح.

وأيضاً ربما بعد سقوط نظام البعث، وهروب الأسد إلى روسيا، والبدء بانسحاب روسي ذليل من المشهد السوري؛ دفعت بروسيا إلى منح اللجوء الإنساني ليس لما يحمله من طابع إنساني، ولكن كأداة في سياق أكبر منمَ يبدو عليه، فيمكن لروسيا من خلال خيارها أن تبقي الأسد تحت سيطرتها، وبعيداً عن المعمعة الحاصلة، والمطالبة به من قبل الحكومة السورية الجديدة؛ لتؤكد على أنها ما زالت فاعلاً رئيسياً فيمَ يجري في سوريا، وأن لها اليد الطولى في تحقيق العدالة في أرض كانت المتحكمة فيها لعهودٍ من الزمن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى