مانشيتمقالات رأي

ليس الأسد وحده من يستحق المحاكمة

محسن عوض الله

تحديات كثيرة تنتظر سوريا وشعبها بعد سقوط الأسد. ورغم أن إسقاط بشار الأسد يُعدّ الحدث الأهم في التاريخ السوري، مما يجعل 8 ديسمبر يومًا بالغ الأهمية في تاريخ سوريا وحاضرها ومستقبلها، إلا أن ما ينتظر سوريا من أجل إتمام هذا النصر، واستكمال إنجاح الثورة لا يقل أهمية عن إسقاط النظام.

إذا كانت قوات المعارضة بزعامة أحمد الشرع، القائد العام لهيئة تحرير الشام، قد نجحت في إسقاط الأسد في عشرة أيام بعد ثورة وحرب أهلية استمرت 14 عامًا، فإن تطهير سوريا، وتحرير شعبها قد يتطلب كفاحًا ومقاومة وثورة لا تقل عن تلك التي أسقطت نظام الأسد، خاصة أن الجرائم والانتهاكات التي تعرض لها الشعب السوري لم تكن من النظام وحده، بل من ميليشيات محسوبة على المعارضة بكل أسف.

ربما يحتاج السيد أحمد الشرع، الذي توعد بمحاسبة من وصفهم بالمجرمين والقتلة من ضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري، إلى تعميم الأمر وعدم قصره على ضباط الأمن والجيش فقط، بل ليشمل كل من تورط في إهانة وتعذيب واغتصاب وسرقة ونهب وإهانة السوريين، أيًّا كان توجهه أو هويته.

الشرع، الذي أكد في بيان له في العاشر من ديسمبر الجاري أنه سيتم الإعلان عن قائمة تتضمن أسماء كبار المتورطين في تعذيب الشعب السوري، ووعد بتقديم مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب، ربما لا يحتاج إلى إنفاق مكافآت للوصول إلى المتورطين في تعذيب السوريين وتهديد أمنهم. بل يكفيه الاطلاع على بيانات المنظمات الحقوقية عن جرائم الميليشيات السورية المحسوبة على المعارضة ضد الشعب السوري في عفرين وغيرها من مدن الشمال.

يكفي أن يطالع الشرع بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان أو تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش أو العفو الدولية عن جرائم الميليشيات المسلحة المحتلة لمدينة عفرين، ليدرك أن هناك من يستحق المحاكمة أكثر من ضباط الجيش والشرطة، بل ربما أكثر من بشار نفسه.

يجدر بالسيد الشرع، الذي جلب الحرية لسوريا، وأطاح بالنظام الديكتاتوري، وحرر المعتقلين من معتقل صيدنايا وغيرها من السجون، أن يرسل رجاله إلى عفرين لتحرير المعتقلين الكرد من سجون ميليشيا “العمشات” والحمزات والسلطان مراد وجيش الشرقية، وغيرها من الميليشيات المحتلة للمدينة السورية ذات الأغلبية الكردية.

جرائم “أبو عمشة” لا تقل بشاعة وإجرامًا عن جرائم ماهر الأسد أو سهيل الحسن، وبالتالي يجب ملاحقة قادة الميليشيات كما نلاحق ضباط نظام الأسد، وتقديم كل من تورط في إهانة وتعذيب واغتصاب السوريين لمحاكمة عاجلة.

حل الميليشيات المسلحة خطوة أهم من حل الجيش والشرطة، فليس لسوريا الجديدة مكان لأمراء الحرب وتجار الموت. أعلم أن الأمر ليس سهلاً، وأن الميليشيات لن تتنازل بسهولة عن أسلحتها، لكن المؤكد أن الشعب الذي توحد ضد نظام الأسد حتى أسقطه لن يتأخر عن الوقوف مع الإدارة الجديدة من أجل القضاء على هذه الميليشيات ومحاسبة قادتها على ما ارتكبوه من جرائم.

أعتقد أن السيد الشرع يُدْرِكُ أن بقاء هذه الميليشيات بأسلحتها الموجهة إلى صدور السوريين هو خنجر مسموم في ظهر الثورة السورية، ونذيرٌ لحرب أهلية جديدة لا تتحملها سوريا ولا شعبها الذي أرهقته الثورة والحرب على مدار 14 عامًا.

على الشرع أن يواصل الثورة ويطلق الموجة الثانية من حملة تحرير سوريا وتطهيرها، ويعلنها حربًا لا هوادة فيها ضد كل الميليشيات والمرتزقة من تلطخت أيديهم بدماء السوريين، ومن شاركوا الأتراك في احتلال عفرين وكري سبي وسري كانيه، ومن سرق ونهب وهتك عرض السوريات في مدن الشمال.

المساواة والعدالة يجب أن تكون للجميع ولكل الشعوب. يجب أن يشعر كل السوريين بالتغيير الجذري، لا الشكلي. سوريا الجديدة يجب أن تكون ديمقراطية عادلة، لا تعرف تمييزًا أو عنصرية ضد أي مكون من مكوناتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى