سقوط نظام البعث ينهي حلم أردوغان في الشمال السوري
فهل سيسمح الشرع له بتحقيقه
نايف الأحمد
حاول أردوغان في الفترة الأخيرة من عمر نظام البعث جاهداً التصالح معه، وحاول حد التوسل لعقد اجتماع مع بشار الأسد، طأطأ راسه للدول العربية، سعى راجياً دخول بوتين في تلك المصالحة لكنه رفض، بحجة أن بشار لم يتنازل عن شرط انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري، الذي ينظر إليه أردوغان بمثابة حلم له، يقيم فيه ما سماها بالمنطقة العازلة، تلك المنطقة التي تعد خط النفط السوري وخاصة في شمالها الشرقي.
أرسلت تركيا جحافل المرتزقة من الإرهابيين الإسلاميين الراديكاليين؛ لمحاربة الكرد ومشروع الإدارة الذاتية، بعد تدريبهم وتسليحهم وفتح الحدود أما زحفهم، في المقابل خاضت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة ومن بعدها قوات سوريا الديمقراطية حروباً ضد هؤلاء المرتزقة بمختلف انتماءاتهم في عدة مدن سورية، لتهزمهم وتوقف زحفهم وتطردهم وتحصرهم في مناطق تحت الحماية التركية، فتدخلت تركيا، بعد أن فشل هؤلاء المرتزقة؛ بشكل مباشر بكل قوتها لتحتل سري كانيه وكري سبي، بضوء أخضر من ترامب، ليتدخل الكونجرس والبنتاغون في وجه القرار، وإيقاف غزو تركيا واحتلالها للمزيد من المناطق.
بعد أن انتهت خيارات أردوغان، وأدرك بأن القوة غير كافية لكسر إرادة الشعب الكردي وشركائهم في الأرض، توجه إلى السياسة، وعمل على إعادة ما سماه باتفاق أضنا بينه وبين سوريا، وبدأ بالتحدث عن إعادة إحيائها، بل والتوسع فيمَ كان مذكوراً بتلك الاتفاقية آنذاك لتشمل كل المناطق الكردية على الحدود الشمالية لسوريا. بحجة إقامة منطقة آمنة هناك.
فعل الكثير من أجل إنشاء تلك المنطقة ولكن لم يستطع، إلا أنه لم يفقد الأمل في الاستمرار في المطالبة بتلك المنطقة.
ومع ظهور بوادر لإسقاط النظام حين بدأت هيئة تحرير الشام التحرك انطلاقاً من مدينة إدلب لتحرر حلب في ظرف أيام وتنطلق إلى حماة ومن بعدها حمص، وبدأت تلك المدن تتساقط واحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو؛ بدأت تركيا بالتحرك لإبقاء النظام فترة أطول في الحكم، للحصول على تنازلات خاصة فيمَ يسمى اتفاقية أضنا، للسيطرة على كامل الشريط الحدودي بينها وبين سوريا، لكن الأحداث كانت متسارعة سبقته وأنهت حكم البعث في سوريا. وتلاشت أحلام أردوغان في هذا الممر مع بزوغ أول فجر على دمشق دون حكم الأسد الذي دام أكثر من نصف قرن، الحكم الذي ذهب وذهبت معه ما سمته باتفاقية أضنا. “خنجر تركيا في الخاصرة السورية”.
كان هذا الممر أحد أحلام وأطماع اردوغان المتعددة في سوريا، والتي إلى حدٍ ما تحقق بعضها، كسيطرته على حلب، التي كانت حلم الدولة التركية منذ عام 1920 وما يسمى (بالميثاق المللي) الذي كان يضم حلب والموصل وكركوك إلى أراضي الدولة العثمانية آنذاك، والذي خسرها مع اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم سوريا والعراق بين فرنسا وبريطانيا أيام الانتداب.
ولكن ما تم تجاهله، وقل الحديث عنه هو المشروع الذي طفى على السطح مجدداً، بعد أن كان طي النسيان، خاصة بعد أن سارعت كل من قطر وتركيا بتقديم نفسيهما كأولياء أمر للشعب السوري، وكان جهاز الاستخبارات لكلا الدولتين السباقين إلى زيارة سوريا، والتواصل مع أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام، وكانت تركيا أول الدول التي فتحت سفارتها بعد إسقاط نظام البعث وهروب بشار الأسد.
بدأت تحركات تركيا مع قطر، وتدخلهم في الأزمة السورية منذ بدايتها، وكان حلم هاتين الدولتين السيطرة على الأراضي السورية لخدمة مشاريعهم الاقتصادية، وكان على رأسها مد خط الغاز القطري عبر الأراضي السورية إلى تركيا ومنها إلى أوربا، كبديل للغاز الروسي، وازدادت أطماعهم في تنفيذها بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث عملت عدة دول أوربية على قطع ذلك الخط، والتوقف عن استخدامه. كوسيلة ضغط لإضعاف الاقتصاد الروسي؛ وبالتالي دفعه وإجباره لإيقاف حربها على أوكرانيا.
سقط الأسد وهرب خارج سوريا، وباتت الساحة مفتوحة لأردوغان، يحرك بمرتزقته الذين ما زالوا يحاولون غزو مناطق الإدارة الذاتية، وضرب مشروعها دون حسيب أو رقيب. محاولاً التدخل في كل شاردة وواردة في الحل السوري. وأرسل قادة مرتزقته أمثال أبو عمشة وسيف أبو بكر لـ لقاء الشرع في دمشق، مع استمرار محاولاتهم لاحتلال المزيد من الأراضي السورية التي تقع ضمن إقليم شمال وشرق سوريا.
فهل بتنا أمام وصاية تركية قطرية جديدة بعد إنهاء الوصاية الإيرانية الروسية؟ وهل سيسمح قائد هيئة تحرير الشام بهاتين الوصايتين أم أنه سيضع حداً لهم ليعود القرار للسوريين في إعادة بناء بلدهم بعد هذه المآسي؟
شهور أو ربما أيام، وسيدرك الشعب السوري الذي هُجِّرَ من أرضه، وسُلِبَ بيته، وتعرض لأبشع المجازر؛ قد خرج من تحت الوصاية الروسية الإيرانية، وتهديداتهم إلى جانب النظام، ودخل تحت وصاية تركية؛ تستبيح المدن وقاطنيها، تتدخل في شؤونه الداخلية، فارضة وصايتها بقوة السلاح عبر مرتزقتها؛ لذا على الشعب السوري أن يعي مدى خطورة الوضع، ومدى استغلال تركيا ومرتزقتها لخلق الفتن بين مكونات سوريا، وتشويه سمعة قوات سوريا الديمقراطية لتحريض شعوب المنطقة عليها عبر مرتزقته وخلاياه النائمة، لزيادة التوتر والاقتتال الذي يسمح لها بالتمدد في الأراضي السورية، وإطالة عمرها لتتمكن من تنفيذ أجنداتها وتقوية نفوذها.
على أحمد الشرع قائد القيادة العسكرية أن يضع حداً للفصائل المرتزقة التابعة لتركيا كخطوة أولى يبين فيها بأنه فعلاً مع وقف إطلاق النار على كامل المساحة السورية، وأن يتفق مع ممثلي الشعب السوري دون إقصاء، ويجمعهم على طاولة واحدة، كي يضعوا اللبنة الأولى لإعادة إحياء سوريا، ووضع دستور جديد لها يضمن حقوق كافة السوريين بمختلف انتماءاتهم وأديانهم ومعتقداتهم، وأن يعقد العزم على إجراء انتخابات برعاية وتحت إشراف الأمم المتحدة، تكون حرة ونزيهة؛ لاختيار رئيسهم وممثليهم في البرلمان، وأن يقول كلمته بوجه الاحتلال التركي الذي عاث وما يزال الفساد في سوريا، ويستهدف مناطقها، ويرتكب المجازر بحق شعوبها، وتجبرها على الخروج من سوريا دونما رجعة. وأن يدفع حكومة أردوغان بالنظر إلى سوريا وإدارتها الجديدة بعين الندّية، وأن تحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها. وتمنعها من التدخل في شؤونها الداخلية إن كان بالفعل يسعى إلى سوريا موحدة ذات سيادة.