متي يفهم أردوغان؟
محسن عوض الله
في تصريحات تفتقر لأدني درجات اللياقة والدبلوماسية، طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من وصفهم بالمسلحين الأكراد في سوريا إلقاء أسلحتهم و”إلا فإنهم سيدفنون في الأراضي السورية”.
وقال أردوغان لنواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان “إما أن يلقي المسلحون الأكراد في سوريا أسلحتهم، أو يدفنوا في الأراضي السورية مع أسلحتهم”.
مع فجاجة التهديد وافتقاره لكل أشكال الدبلوماسية، شعرت أن المتحدث أحد زعماء المافيا التركية وليس رئيس جمهورية في دولة تزعم أنها ديمقراطية، وبالتالي فإن رئيسها من المفترض أنه يُدْرِكَ جيداً ما يقوله وما يجب أن يُقال وما لا يقال.
تحدث أردوغان بلسان الزعيم المافياوي الذي لا يعبأ بقانون أو دستور، ولا يعترف بحقوق أو اختلاف.
تهديد أردوغان لا يمكن قراءته سوى في سياق الزعيم الخارج عن القانون، إما أن ترضخوا لرغباتي وتعيشوا أذلاء تحت حذائي، أو سأقتلكم وأدفنكم مع أسلحتكم في الأرض التي تعيشون فيها وتدافعون عنها.
أردوغان الذي ظن نفسه إلهاً، لم يكن ينقصه سوي أن يرتدي قناع النمرود بن كنعان، ويردد “أنا أحيي وأميت من لن يطيعني سأقتله وأدخله النار ومن أطاعني فقد نجا” !! تصريحات أردوغان تعبرعن بربرية ووحشية وهمجية لا مثيل لها.
الغريب أن أردوغان طالما ينتقد نتنياهو، ويصفه بالإرهابي، ويطالب بمحاكمته رغم أن الوقائع على الأرض تقول أن أردوغان هو النسخة الإرهابي، وهو من يستحق المحاكمة لجرائمه بحق البشرية، وأن ما ترتكبه تركيا بحق الشعب الكردي وحركات المقاومة الكردية لا يقل بشاعة وإجراما عما أرتكبه الديكتاتوريات في السابق وفي هذا الوقت.
بالعودة لتصريحات أردوغان، نجد أنه قد حدد في تهديداته للقوي الكردية خيارين لا ثالث لهما إما الإستسلام أو القتل، والحقيقة أن أردوغان بحاجة لمراجعة نفسه في ذلك التصريح؛ خاصة أن التهديد بالقتل ليس جديداً ولا مفاجِئا في التعامل التركي مع القضية الكردية.
من يتابع تاريخ الصراع التركي الكردي يجد أن القتل والإبادة الجماعية يمثلان عمود خيمة السياسة التركية في التعاطي مع قضية الكرد الذين يمثلون أكثر من ربع سكان تركيا.
ما الجديد الذي قدمه أردوغان في رسالته للقوي الكردية كي يصيبهم بالرعب، ويدفعهم لتسليم أسلحتهم! أردوغان الذي يري نفسه زعيماً استثنائياً اكتفي بتهديد القوي الكردية في سوريا بقوله”سنقتلكم وندفنكم بأسلحتكم”، مستعيناً في ذلك بالتراث التركي، وإرث الإجرام الذي ورثه عن كل من اعتلي عرش تركيا في التعامل مع القضية الكردية.
متي يفهم أردوغان أن تهديداته التي لم تتوقف على مدار أكثر من عشر سنوات ضد القوى الكردية في سوريا تفتقد للإبداع، ولا تواكب تطورات العصر الجديد وزمن الذكاء الإصطناعي.
متي يفهم أردوغان، أن القتل والإبادة الجماعية التي يهدد بها الكرد في سوريا، سبق ونفذها أجداده ليس ضد كرد سوريا فحسب بل ضد كرد تركيا أيضاً أبناء نفس الوطن والأرض.
متي يفهم أردوغان، أن التاريخ التركي الحديث والعثماني القديم يمتلئان بآلاف الصفحات السوداء والمجازر والويلات التي ارتكبها الأتراك بحق الكرد في سالف الزمان وآخره.
هل سمع أردوغان، بمجزرة زيلان التي ارتكبتها الدولة التركية ضد الكرد في باكور كردستان عام 1930، أثناء توجه الشعب الكردي إلى وادي زيلان الواقع في منطقة “أرجيش” التابعة لمحافظة وان، هرباً من بطش النظام والأعمال الوحشية التي كان يقوم بها الجيش التركي من قتل وحرق وهدم للقرى، وسقط فيها أكثر من 45 ألف قتيل.
هل سمع أردوغان، بمجزرة ديرسم التي ارتكبتها الدولة التركية بين عام 1937 و1939 في منطقة ديرسم، بعد أن دُمرت المدينة بشكل كامل، وعلى أنقاضها أنشأت الدولة التركية محافظة أخرى أطلق عليها اسم تونجلي، وقتل فيها وفق تقارير قرابة 14 ألف كردي.
ما الجديد الذي قدمه أردوغان في تهديداته، القتل والدفن والمقابر الجماعية ارتكبها أجداده ضد أجداد الكرد الحاليين، هو يستنسنخ نفس السياسة دون إبداع.
متي يفهم أردوغان أن سياسة القتل والإبادة التي يهدد بها الكرد ليست هى الحل، ولن تجلب الأمن والأمان للمواطن التركي، ولن تعزز الأمن القومي التركي.
لقد اثبتت سياسة الإبادة الجماعية والعنصرية التركية ضد الكرد فشلها الذريع على مدار عقود بدليل أن الكرد رغم مقتل مئات الآلاف منهم على يد الجيش التركي، والأنظمة التركية المتعاقبة؛ مازال الكرد صامدين قادرين على المواجهة والحياة، وصناعة نموذج تعايش غير مسبوق في الشرق الأوسط.
متي يفهم أردوغان أن سياسات تركيا تجاه الكرد بحاجة لتغيير جذري، وأن أجداده أرتكبوا أخطاءً كثيرة في التعامل مع الكرد يجدر به أن يعتذر عنها لا أن يكررها.
متي يفهم أردوغان أن الكرد ليسوا أعداء، وأن المقاومة الكردية مجرد رد فعل على عقود من القتل، وانتهاك الحقوق، ونهب الممتلكات، وسلب الحريات.
متي يفهم أردوغان أن لديه فرصة تاريخية للشعب التركي للتصالح مع نفسه، ومع الشعوب الأخرى، ليس عليه سوى أن يعتذر عن سياسات تركيا السابقة بحق الكرد والسريان والأرمن، ويبدأ صفحة جديدة في حل القضية الكردية بشكل عادل وشامل.
متي يفهم أردوغان أن كل من سبقوه كانوا خطأ، وأن تكرر سياستهم هو تكرار للخطأ الذي سيجلب المزيد من الأخطاء، وأن دوامة الأخطاء ستستمر حتى يأت زعيمٌ تركيٌّ مختلف يتبني سياسة مختلفة فيحصد نتائج مختلفة؛ فلماذا لا يكون هو؟
أردغان هو الذي ليس أمامه سوي خيارين، إما أن يسير على نهج أسلافه، ويواصل جرائمه بحق الشعب الكردي، وقتها سيدفنه التاريخ، وتلاحقه جرائمه حياً وميتاً، وسيبقي الكرد صامدين كما صمدوا أمام أجداده؟
وإما أن يخلع العباءة التركية، ويتبني نهج واستراتيجية جديدة لحل القضية الكردية قائم على الأخوة والمواطنة وحسن الجوار في التعامل مع الكرد سواء بسوريا أو تركيا.
ختاماً..أردوغان هو من يختار مصيره ونهايته وليس الكرد، فالكرد في كل الأحوال صامدون وباقون؛ فمتى يفهم أردوغان؟