مانشيتمقالات رأي

الأكراد… هل هم مفتاح السلام في المنطقة؟

التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا تُعيد إلى الواجهة مجدداً ملف حقوق الأقليات في المنطقة العربية، لاسيما الأكراد الذين هم القومية الوحيدة في المنطقة الذين ليس لهم دولة مستقلة، ومن المؤكد أن التحولات التي تشهدها سوريا بدأت تُشعل المخاوف والقلق في أوساط المجتمع الكردي، الذي سبق أن عانى من القمع، سواء في سوريا أو العراق.
خلال الأيام القليلة الماضية انتشر العديد من مقاطع الفيديو المصورة، التي تظهر فيها انتهاكات مرعبة تستهدف الأقليات في سوريا، وهو ما يتناقض بكل تأكيد مع آمال ومساعي الشعب السوري بإقامة دولة ديمقراطية حديثة، تتعامل مع كل أبنائها على قدم المساواة، وتوفرُ لهم حياةً كريمة في دولة يحكمها القانون وليس القوة والبلطجة.
الأكراد يختلفون عن غيرهم من الطوائف في سوريا والمنطقة العربية؛ وذلك لأنهم الطائفة الوحيدة التي تُشكل «قومية» مستقلة، حيث إن باقي الطوائف في المنطقة العربية هي إما دينية كالمسيحيين، أو مذهبية كالشيعة والعلويين، بينما الأكراد هم أصحاب «قومية» مستقلة مثل العرب والأتراك والفُرس، ومع ذلك فهم القومية الوحيدة في المنطقة التي لم تتمكن حتى الآن من إقامة دولتها المستقلة، وذلك لأسباب متعددة أهمها، أن إقامة دولة لهم يتناقض مع مصالح دول المنطقة المدعومة من دول كبرى في العالم.
المنطقة العربية تنامُ اليوم على لهيب ساخن وتشهدُ تغيراتٍ استراتيجية كبيرة وبالغة الخطورة، أما التهديد الأكبر الذي يواجه هذه المنطقة فهو اندلاعُ المزيد من الحروب والصراعات، بما في ذلك المخاوف من حربٍ أهلية وطائفية في سوريا، التي تحررت أخيراً من نظام عائلة الأسد بعد أكثر من خمسين عاماً على حكم هذه العائلة. المنطقة العربية بحاجة لوصفة شاملة تُحقق السلام وتحافظ على الأمن الداخلي لشعوبها، أو بحاجة لمؤتمر سلام شامل يُنهي عدداً من الصراعات فيها، وربما يكون الأكراد هم كلمة السر في تحقيق السلام والرخاء في المنطقة، وذلك بالاعتماد على تجربتهم في شمال العراق، ونجاحهم الكبير هناك في بناء مدن جذابة ومزدهرة وإقامة حياة سياسية محترمة في ظل الحُكم الذاتي، الذي يتمتعون به في منطقتهم، وهي تجربة تستحق الدراسة والإشادة، خاصة مع نجاحها في المساهمة بإرساء الاستقرار والرخاء على مستوى العراق كاملاً.
المشهد في المنطقة العربية يؤكد أن ثمة قضيتين لا يُمكن تحقيقُ الاستقرار والرخاء من دون التوصل إلى حل لهما، وهما: القضية الفلسطينية والقضية الكردية، وخلال الفترة المقبلة ربما يتصدر الأكرادُ المشهد، وذلك بسبب التطورات التي تشهدها سوريا وبسبب المخاوف من اندلاع صراع عسكري مسلح بين السلطة الجديدة في البلاد، و»قوات سوريا الديمقراطية» التي يُشكل الأكراد أغلبية عناصرها، وتلعبُ دوراً مهماً في الحفاظ على الأمن في مناطقهم داخل سوريا.
وإلى جانب الحاجة الى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة عبر حل قضايا النزاع وبؤر الصراع، فإنَّ من المهم الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو المبدأ الذي تم إقراره في العديد من المواثيق الدولية والحقوقية، بما في ذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي نص في مادته الأولى على أن «لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي».
والخلاصة الأهم هنا هي، أن حل القضية الكردية بشكل منطقي وعادل يُمكن أن يساهم بشكل كبير في إرساء السلام والاستقرار والرخاء في المنطقة، سواء في سوريا التي تنام اليوم على صفيح ساخن، أو حتى في تركيا التي تعاني من الصراع الطويل مع حزب العمال الكردستاني، الذي يُهدد الأمن القومي التركي منذ عقود ويُشكل واحدة من الأزمات المتجددة والمستمرة التي تعاني منها تركيا وتبحثُ عن حلٍ لها، بل إن التوصل إلى حل يُرضي الأكراد قد يعني بالضرورة انتهاء حزب العمال، أو على الأقل تخليه عن العمليات العسكرية الإرهابية التي تستهدف الأمن التركي، وهو ما يعني في نهاية المطاف تقليل الاحتقان والصراع في المنطقة برمتها.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى