الطريق إلى الديمقراطية في سوريا يمر عبر الكرد
نيكوس باباندريو
مقال مهم لعضو البرلمان اليوناني نيكوس باباندريو عضو البرلمان الأوربي، ونجل رئيس الوزراء اليوناني السابق “اندريس باباندريو” جريدة (كاثميرني) اليونانية، يطالب باعتماد العقد الاجتماعي في روجافا كدستور لكامل سوريا
ربما جلب سقوط بشار الأسد من السلطة في سوريا نفساً من التفاؤل لكل من مواطني الدولة العربية التي عانت طويلا،ً والملايين من النازحين بسبب الحرب الأهلية التي استمرت لسنوات، ولكن بعد الاحتفالات يأتي وقت القلق. حول اليوم التالي في سوريا. فكيف سيتمكن أعضاء القاعدة السابقون من إدارة السلطة، وقبل كل شيء ما هو مصير حقوق الإنسان في بلد يتكون من فسيفساء من العرقيات؟
إن العلامات الأولى لتشكيل الحكومة المؤقتة ليست مشجعة. ومؤخراً أشار “توم فليتشر” منسق الإغاثة الطارئة للأمم المتحدة، في إحاطته لمجلس الأمن إلى أن النساء والفتيات معرضات لخطر التهميش، في حين أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا “جير بيدرسن” في نفس الاجتماع على ضرورة اتخاذ قرارات مهمة بشأن سوريا. وتثير السياسات الحكومية والطويلة الأمد مخاوف بشأن الافتقار إلى الشفافية والمشاركة.
وتشير التقارير بالفعل إلى تزايد حوادث العنف ضد المسيحيين والأقليات الأخرى. ويتعرض السكان المسيحيون في بلدة معلولا للخطر بشكل خاص، حيث تم الحفاظ على الكنائس البيزنطية ذات القيمة الثقافية والدينية التي لا تقدر بثمن على مدى قرون.
في الوقت نفسه، تتزايد أنباء المعارك في المناطق الكردية المستقلة في شمال شرقي سوريا، حيث تحاول تركيا، التي ترتدي عباءة صانع السلام، “تصفية” قضية “الأكراد”، باستخدام الجيش الوطني السوري وميليشيات موالية لها. قواتها الجوية علناً.
ولكن ما الذي سيحققه الأتراك وحلفاؤهم في سوريا إذا تمكنوا من هزيمة وحدات حماية الشعب؟ وما الذي سيخسره المجتمع الدولي؟
وستتمكن تركيا من نشر نفسها (كدولة حامية) في مختلف أنحاء شمال سوريا، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يشكل ضمانة لوحدة أراضي الدولة العربية، في حين ستفقد الحكومة الانتقالية السورية واحداً من قائمة المدافعين عن حقوق الإنسان.
والواقع أن هذا الأمر يتجلى بوضوح إذا ما قرأنا الدستور (العقد الاجتماعي) الذي وضعه الأكراد في يناير/ كانون الثاني 2014 عندما أعلنوا مناطق عفرين والجزيرة وكوباني مناطق تتمتع بالإدارة الذاتية.
وحتى ديباجته تظهر مدى توحيده، لأنه يشير إلى إجمالي ثماني مجموعات عرقية تعيش بسلام في المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي، وتتمتع، وفقاً للنص، بنفس الحقوق والواجبات.
ويتضمن الدستور الكردي بشكل مباشر المعاهدات والاتفاقيات والإعلانات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، مع الإشارة بشكل خاص إلى المرأة. ومن الجدير بالذكر أن المادة 27 تنص على أن “للمرأة حق لا ينتهك في المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية”. وفي المواد التالية يتم توضيح المساواة بين الجنسين أمام القانون، ويتم حظر زواج القاصرات بشكل صريح، وهو الأمر الذي نراه للأسف الشديد في البلدان التي تسود فيها الشريعة الإسلامية.
وتؤكد العديد من النقاط الأخرى في الدستور على حق المواطنين في ممارسة واجباتهم الدينية بحرية، وتؤكد على أنه لا يجوز اضطهاد أي شخص على أساس معتقداته الدينية.
إذا كانت الحكومة الانتقالية في دمشق تريد حقاً التعايش السلمي بين مواطني سوريا، بغض النظر عن أصولهم ودياناتهم، فإن عليها أن تدرس هذا الدستور الديمقراطي بعناية.
إن نص الدستور الكردي ليس فقط مصدراً للحرية والعدالة لشعب المناطق ذات الحكم الذاتي، بل هو أيضاً الحجة العليا ضد أولئك الذين يحاولون سفك الدماء في شمال شرق سوريا؛ بحجة أن الأكراد يرغبون في إنشاء دولة مستقلة وتقسيم سوريا.
وينص الدستور الكردي في نقطتين على الأقل على أن مناطق عفرين والجزيرة وكوباني هي جزء لا يتجزأ من سوريا. إلى ذلك، أوضح قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، أنه يرفض أي مخطط تقسيمي من شأنه أن يهدد وحدة سوريا.
وهذا ما لا تريده أنقرة، ومن يسيطر عليها في سوريا؛ إنهم يشعرون بالارتياح في دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية بدلاً من الدستور، مع تقليص دور المرأة أو حتى إلغائه تماماً. لقد حان الوقت للمجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه تقديم الإغاثة للمواطنين السوريين الذين يمرون بفصل الشتاء، أن يدفع نحو التحول الديمقراطي دون إقصاء أو تدخل من القوى الإقليمية.
ولا ننسى أن منطقة كوباني ذات الحكم الذاتي والتي ضحت بـ 12 ألف مقاتل كردي أوقفت تقدم داعش. إن تركهم لمصيرهم الذي حددته لهم أنقرة من جهة والشريعة الإسلامية من جهة أخرى سيكون بمثابة دفع ثمن باهظ.
*نيكوس باباندريو هو سياسي وخبير اقتصادي ورجل أعمال ومؤلف يوناني. وهو عضو منتخب في البرلمان الأوروبي عن حزب الباسوك.