مانشيتمقالات رأي

أحلام أردوغان التوسعية بين الوهم والتغييرات الدولية

كمال حسين

تعكس تطورات الوضع السوري حجم التورط التركي في تعقيدات المشهد الناشئ، وكذلك عمق المأزق الذي لا بد أن تكون أنقرة قد بدأت تستشعر به مع وصول أحمد الشرع وفريقه المكون من نخبة إرهابيي العالم إلى حدود دولة إسرائيل، وإلى ما يهدد استقرار دول محور الاعتدال العربية في رحلة السيطرة على دمشق والجنوب السوري، وحيث تصبح الجهود التركية لتسويق النظام الجديد، وخاصة بعد الإحباط الكبير في معارك سد تشرين الذي أصاب أذرعها ومواليها من الفصائل المرتزقة، وأصاب قواتها المشاركة على مدى أربعين يوماً من وقع الملاحم البطولية لقوات سوريا الديمقراطية الملتصقة بإرادة أغلب السوريين؛ أصبحت تركيا في دوامة فشلها كمن يحاول أن يمرر – فيلاً من خرم إبرة – فهي لم تألُ جهداً في تكرار محاولاتها الخائبة لتمرير ذلك الفيل، ولن تتوقف ضغوطها على هيئة تحرير الشام لتحويل اهتمامها عن الأولويات الوطنية، إلى ناحية المشاركة، إلى جانب فصائل ما تسمى الجيش الوطني في معارك سد تشرين ومنبج، كما يتقاطع ذلك مع خططها المكشوفة والمتمثلة بدفع بعض عملائها من علويي لواء اسكندرون لزيارة مناطق العلويين في الساحل السوري بحجة مد يد العون والمساندة، وتمهيد الطريق للاحتلال التركي لهذه المناطق، عبر تجميل أهدافه بغطاء حماية العلويين من أخطار باتت تحدق بهم، وهي صاحبة التاريخ الحافل بالمجازر في حق العلويين وغيرهم. وذلك ضمن مسرحية ممجوجة وفاقدة لعنصر الحبكة، وقد شرعت بتنفيذها للأسف الشديد في غفلة عن اهتمام العالم، حيث أصبحت قواتها تتمركز ويرتفع علمها في أكثر من نقطة في ريف اللاذقية، وقد عينت والياً في بلدة قسطل المعاف السورية، وأصبح واضحاً أن عين الخطوة التركية تصوب على الموارد النفطية السورية في مياه البحر المتوسط.

لكن الرياح كما تشير دوائر الرصد لا تجري كما تشتهي السفن التركية، ولا تتفق معطياتها مع ما روجته البروباغندا الإعلامية التركية خلال الأشهر الماضية، من أن انسحاباً أمريكياً من سوريا هو ضمن الأجندات والقرارات التي سيتضمنها خطاب قسم الرئيس ترامب، وبأن صفقات عدة مع ترامب ستكون متاحة أمام أردوغان لترتيب أوضاع سوريا على حساب قوات سوريا الديمقراطية، من بينها تولي ملف داعش، والتفرد في تحديد شكل سوريا القادم.

بل ثمة عناصر ومجريات حملتها التطورات الأخيرة من شأنها أن تضخم من الكوابيس التركية، ولتقوض من أحلام أردوغان فيمَ يخص حقوق الكرد، ومستقبل قوات سوريا الديمقراطية. فبعد المعادلة التي فرضتها المقاومة الأسطورية لهذه القوات وحواضنها الشعبية في معارك سد تشرين؛ جاءت زيارة القائد العام الجنرال مظلوم عبدي إلى هولير؛ والتي رافقتها عشرات من طائرات الأباتشي، بالإضافة إلى مقاتلات أمريكية وأخرى فرنسية؛ لتوجه رسالة قاطعة للحالمين بأنقرة بأن في الأجندة الدولية اهتمامات بالمسألة الكردية إلى مديات تتجاوز الحدود السورية.

ثم جاءت اللكمة الثانية في رسالة الدعوة التي وجهت للسيدة إلهام أحمد بحضورها مراسم تنصيب الرئيس ترامب، فيما لم يوجه مثيل لها للرئيس التركي الذي ما فتئت دعايته تتبجح بعمق العلاقة التركية الأمريكية، وكانت قد سبقتها لكمة أخرى فائقة الدلالة تمثلت باللقاء الذي جرى قبل أيام في إيطاليا من قبل الدول المهتمة بالملف السوري لم تدعِ تركيا إليه.

وبالعطف على كل ذلك؛ فلا شك بأن الارتجاج الأكبر الذي أصاب رأس أردوغان ورأس العثمانية الجديدة هو ما ورد في خطاب القسم حول سوريا، وحول الموقف من الإرهاب، وإلى ذلك يمكن القول “إن ما ورد في خطاب ترامب يشكل إجاباتٍ على أسئلة ملحة حول السياسة الأمريكية المتعلقة بالوضع السوري في جوانب متعددة، ويرقى إلى مستوى خارطة طريق تقود إلى مستقبل سوريا، أهم محدداتها إن القوات الأمريكية باقية في سوريا للزومها في معركة مواجهة الإرهاب، ولأهميتها في معادلة المصالح الأمريكية، ومصالح حلفاء أمريكا الذين يقاتلون على الأرض في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية.

ثم أن لا تغيير في النظرة الأمريكية حول المصنفين على قوائم الإرهاب من المنخرطين في مفاصل الحكم الجديد في دمشق، وبأن الإدارة الأمريكية تراقب أداء هذه الإدارة الجديدة، وستحكم عليها بالإستناد إلى جديتها في نقل الحكم إلى حكومة وحدة وطنية تمثل جميع الأطياف، وتحافظ على مدنية الدولة، وعلى القواعد الديمقراطية والسلم والاستقرار. كما أفصح عن نيته الاستمرار بوضع اليد على الثروات النفطية في إشارة إلى عدم السماح لحكومة دمشق بالسيطرة على مصادر الغاز والنفط.

وعلى نحو مشابه؛ تتراكم الصفعات التي تتلقاها سياسة أنقرة في سوريا، فقبل ترامب كان الأمين العام للأمم المتحدة “أنتونيو غوتيرس” قد وجه انتقادات حادة إلى بضاعة أنقرة في سوريا؛ موضحاً قلق المجتمع الدولي من انتهاكات الإدارة الجديدة في دمشق لحقوق مكونات المجتمع السوري وأقلياته المختلفة، وتوقف بشكل خاص عند المضايقات التي تجري على حرية النساء، وفي محاولة فرض الحجاب، وفصل النساء عن الرجال في أماكن العمل وفي حافلات النقل، كل ذلك في خطوة تشير إلى يقظة المجتمع الدولي إلى المخاطر المرتبطة بتمكن القوى الظلامية من ترسيخ أقدامها في واقع الدولة والمجتمع السوري، وعلى ضوء ما تقدم يمكن الوثوق من نتيجة حتمية ستفضي إليها التطورات؛ مفادها أن الإرهاب الإسلاموي وصانعيه الاقليميين من أصحاب الطموحات التوسعية في تركيا أو إيران أو قطر لا أمل لهم في إعادة حركة التاريخ إلى الوراء، وبأن العصر لم يعد يتسع لمشاريعهم المريضة.

وثانياً، نجاح مشروع مجلس سوريا الديمقراطية وذراعها البطل المتمثل في قوات قسد في التمكن من إشغال موقع الأمل والضمانة لدى السوريين جميعاً بالمحافظة على وحدتهم، وتوفير شروط أمنهم وكرامتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى