مانشيتمقالات رأي

الطريق إلى دمشق يبدأ من الرياض

محسن عوض الله

منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وسيطرة فصائل المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع على مقاليد الأمور في دمشق؛ كان هناك تخوفات كبيرة ” ومازالت” من مستقبل علاقات سوريا من العالم الخارجي خاصة في ظل الإيدلوجية الجهادية التي ينطلق منها حكام سوريا الجدد.

كان التخوف الأكبر من مدى قابلية العالم لوجود حكومة يترأسها تنظيم مدرج على قوائم الإرهاب العالمي، وزعيم كان حتى وصوله للسلطة مطلوب للعدالة الدولية بتهم تتعلق بالإرهاب.

الأسوء من ذلك هو موقف الدول العربية وخاصة الخليجية منها، كيف ستقبل دولة مثل السعودية؛ وهى التي تحارب الإسلام السياسي بكل قوتها، وكان لها موقف واضح من تجربة الإسلاميين سواء في مصر أو تونس خلال فترة الربيع العربي بوجود تنظيم إرهابي على رأس السلطة في سوريا.

كانت كل المؤشرات تسير في اتجاه فرض حصار دولي على سوريا، ولكن ما حدث غير ذلك، فالوفود الدولية بدأت في التوافد على دمشق، والإجتماع مع قادة سوريا الجدد.

وتحول الشرع ورفاقه من مطلوبين للعدالة الدولية، إلي مطلوبين لسماع آرائهم وتوجهاتهم تجاه مستقبل سوريا؛ بحضور وفود من عواصم دول كبري مازالت تصنفهم حتى الأن في خانة الإرهاب.

في تلك الأجواء العصيبة التي عاشتها سوريا كان الدور السعودي واضحاً منذ الأيام الأولي لسقوط الأسد، فبعد أيام قليلة من سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، أرسلت السعودية وفداً رسمياً بقيادة مستشار في الديوان الملكي للقاء أحمد الشرع، والتعرف على القادة الجدد في سوريا.

وكانت السعودية أول دولة عربية تتواصل مع النظام الجديد في سوريا، وأول دولة تدعو وزير الخارجية السوري ووفد الحكومة السورية الجديدة لزيارتها.

كما استضافت السعودية مؤتمراً دولياً لدعم سوريا الجديدة، بمشاركة دولية واسعة.

وقبل ساعات حط وزير الخارجية السعودي رحاله في العاصمة دمشق حاملاً رسالة دعم جديدة من المملكة للإدارة الجديدة في سوريا.

أظهرت السعودية دعماً كبيراً لسوريا منذ اللحظات الأولي لسقوط الأسد، وكانت بمثابة ظهير دولي وداعم كبير لسوريا ونظامها الجديد في لحظات الولادة المتعثرة منذ أكثر من 14 عاماً.

هذه التحركات الإيجابية من جانب السعودية تجاه سوريا ليست بكل تأكيد حباً ومغازلة للشرع ورفاقه؛ بقدر كونها تغيير في السياسة السعودية التي تعلمت من درس الأسد، وكيف أن التخلي عن سوريا دفعه لأحضان إيران وروسيا.

كما أن السعودية بهذه التحركات في سوريا تحاول الوقوف في وجه النفوذ التركي الموجود بالفعل في سوريا وربما تكون الدولة الوحيدة القادرة على ذلك.

بالنظر إلى سياسة السعودية على الصعيد الدولي والإقليمي؛ نجد أنها شهدت تحولات كبيرة منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، وأصبحت المملكة قوة لا يستهان بها في السياسة الدولية، إن لم تكن القوة الأكبر في الشرق الأوسط.

نجحت السعودية في استغلال ثرواتها وما تمتلكه من موارد في تعزيز وجودها الإقليمي والدبلوماسي على الصعيد الدولي بشكل كبير خلال الفترة الماضية.

يكفي أن أول تواصل مع زعيم أجنبي قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد ساعات من تنصيبه كان مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ومن المتوقع أن تكون أول زيارة خارجية يقوم بها ترامب بعد تنصيبه، للرياض أيضاً، كما فعل في ولايته الأولى.

الأمر ليس مجرد أموال، فما أكثر الدول التي تمتلك الأموال ولكن كيف تدير تلك الأموال لخدمة مصالح الدولة، وتحقيق وتعزيز حضورها الدولي والإقليمي، وهو ما نجح فيها الأمير محمد بن سلمان بشكل كبير بصورة أصبحت معها السعودية حاضرة في معظم ملفات المنطقة وبؤر التوتر حول العالم.

هذه العلاقة الجيدة التي تربط بين ولي العهد السعودي مع الرئيس الأمريكي؛ سيكون لها بكل تأكيد انعكاسات واضحة على الملف السوري، خاصة في ظل الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا، والتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية في محاربة داعش.

التخوفات من عودة ترامب للبيت الأبيض، وتداعيات ذلك على قوات سوريا الديمقراطية توجب على القوى الكردية في شمال شرق سوريا التحرك نحو تعزيز العلاقات مع الرياض التي تملك مفتاح ترامب.

الخلافات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق حول الاندماج في الجيش السوري الجديد، وأزمة نزع سلاح القوات توجب على القوى الكردية التوجه نحو الرياض، وتعزيز علاقاتها مع المملكة بشكل أكبر مما هو عليه الأن، خاصة إن المملكة تعتبر الداعم الأكبر لحكومة الشرع، وتمتلك من النفوذ ما يمكنها إقناع، وربما إلزام الشرع بتبني مواقف وقرارات لا تؤثر على كيان قسد وسلاحها.

تحتاج القوى الكردية في سوريا إلي أكبر من مجرد التصريحات الإعلامية التي يقوم بها السيد “مظلوم عبدي”، وهى في كل ألأحوال تأثيرها إيجابي بشكل كبير، ولكن مع وجود عدو تركي يتربص، ونظام مازال يحبو في دمشق، لا يستطيع مواجهة الضغوط التركية والتحركات العدائية تجاه الكرد، لذا يجب التفكير في حلول أكثر واقعية وتأثيراً.

إقامة علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية، وشرح وجهة النظر الكردية تجاه الأوضاع في سوريا، وتقديم رؤية مستقبلية واقعية تراعي الأبعاد الإقليمية والدولية؛ ربما تكون فريضة الوقت على كل مسؤول في الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا.

بل لا أكون مبالغاً بأهمية تشكيل لجنة كاملة مهمتها العمل على التواصل مع المملكة العربية السعودية، والإلتقاء بقادتها ودبلوماسيها، وشرح وتوضيح كل غامض عن الكرد.

ولو أمكن التعاقد مع شركات علاقات عامة، كما يحدث في أمريكا للترويج للقضية الكردية وعدالتها في الأوساط السعودية، يكون أمر جيد جداً.

لابد أن يدرك الكرد في سوريا أن حملات التشويه التي تعرضوا لها على مدار عقود لن تمحيها جلسة أو اثنين فالأمر ليس بهذه السهولة، وأن ما ترسخ في العقل الجمعي لقطاع كبير من العرب بفعل حملات التشويه التركية المستمرة يحتاج سنوات من العمل للرد عليها، وكشف زيفها.

أقول للأصدقاء في الإدارة الذاتية وعموم الكرد في شمال شرق سوريا: “إن أردتم حل خلافاتكم مع دمشق فتوجهوا للرياض التي تملك الآن مفاتيح سوريا، وتستطيع ممارسة الضغوط على الشرع وإخوانه”.

على الكرد أن يدركوا أن الشرق الأوسط يتغير، وأن الدول التي كان يتم التعويل عليها في الفترة الماضية لم تعد قادرة على تقديم شيء، وأن الحاضر والمستقبل أيضاً أصبح للمملكة العربية السعودية.

العلاقة الجيدة مع الرياض لا تتيح للكرد علاقات جيدة فقط مع دمشق أو واشنطن، بل مع العالم كله، فالرياض أصبحت مفتاح العالم والشرق الأوسط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى