
في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تحديات وصراعات عميقة، يبرز صوت الكورد في شمال وشرق سوريا كأحد أهم الأطراف التي تسعى لبناء مستقبل أفضل لشعبها ولمنطقة الشرق الأوسط برمتها. ومع مرور الزمن، تظل قضية الوحدة الكوردية حلمًا لم يتحقق بالكامل حتى الآن، رغم محاولات متعددة لتوحيد الصف الكوردي في مواجهة التحديات السياسية والعسكرية.
الدكتور كاميران برواري، السياسي الكوردي البارز، وعضو المؤتمر الوطني الكوردستاني قدم في تصريحاته الأخيرة تحليلاً معمقًا حول الوضع الكوردي، مشيرًا إلى أن أحد أكبر العوامل التي منعت تحقيق الوحدة الكوردية كان عدم تنفيذ قرار البرلمان في إقليم كوردستان بشأن الاعتراف بسيادة شمال وشرق سوريا (غرب كوردستان). برواري أرجع ذلك إلى غياب التوافق الكافي بين القوى السياسية الكوردية، خصوصًا تلك التي تربطها علاقات وثيقة مع تركيا، مما جعل الحلم الكوردي في الوحدة بعيد المنال طوال الأربعة عشر عامًا الماضية.
وفي مقابلة مع “روج نيوز”، تناول برواري عدة محاور مهمة تتعلق بمستقبل الكورد في شمال وشرق سوريا (غرب كوردستان) وفي عموم كوردستان. حيث أشار إلى أن الكورد يمتلكون فلسفة خاصة بهم تقوم على مشروع سياسي وإداري قائم على الفيدرالية الديمقراطية، التي لا تتضمن فقط حقوق الكورد في مناطقهم، بل أيضًا ضمان وجودهم السياسي في الشرق الأوسط والعالم. وأكد برواري أن هذا المشروع ليس حكراً على جزء معين من كوردستان، بل يشمل كافة أجزاءها الأربعة، معتبراً أن بناء هذه الوحدة الكوردية هي الطريق الوحيد لتحقيق مصالح الشعب الكوردي.
لكن، ورغم هذا الطموح الكبير، أشار برواري إلى وجود العديد من العراقيل التي منعت تحقيق هذا الهدف، أهمها المواقف السياسية لبعض القوى الكوردية، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع تركيا. وقال برواري إن هذه القوى لم تكن داعمة بشكل كامل لمشروع الوحدة الكوردية، بل على العكس، كانت تفضل العودة إلى علاقات مع تركيا على حساب توحيد الكورد في جميع أجزاء كوردستان.
وأضاف: “حتى في بعض الاجتماعات الكوردية التي جرت في الماضي، في عام 2013 في إقليم كوردستان، عقد اجتماع بعلم السيد عبدالله أوجلان، ومام جلال، ومسعود البارزاني. وفي النهاية، لم يتم التوصل إلى نتيجة من هذا اللقاء. ولم تُحقق أي نتائج ملموسة، بل كان هناك تراجع من بعض الأطراف الكوردية، ونتيجة لذلك نشأت أزمة داعش التي دمرت حياة الكورد في العديد من المناطق”.
وفي سياق حديثه، أشار برواري إلى أن المواقف السلبية لبعض القوى السياسية الكوردية تجاه غرب كوردستان ساهمت في عزلة هذه المنطقة، مما أثر بشكل كبير على قدرة الكورد في غرب كوردستان على الحفاظ على أمنهم واستقرارهم. وأوضح أن هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الدعم الكوردي من جميع الأطراف في كوردستان، مشيرًا إلى أنه لولا الدعم المحدود الذي حصل عليه الكورد في غرب كوردستان، لما تمكنوا من الصمود في مواجهة الهجمات المستمرة من قبل تركيا والتنظيمات المسلحة.
كما تناول برواري موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحلفائه، مؤكدًا أن استمرار دعمهم لتركيا يتعارض مع مصلحة الكورد في غرب كوردستان وفي كوردستان بشكل عام. وقال: “إذا استمرت هذه السياسات، فستظل الوحدة الكوردية بعيدًا عن التحقيق، ولن نتمكن من توحيد القوى الكوردية بشكل فعّال. يجب أن نضع مصلحة الشعب الكوردي في مقدمة أولوياتنا، وأن نسعى إلى خلق تحالفات سياسية تضمن حقوق الكورد في كافة أجزاء كوردستان”.
أكد برواري على ضرورة تغيير مواقف القوى السياسية في كوردستان تجاه قضية غرب كوردستان، داعيًا الحكومة في إقليم كوردستان إلى فتح قنوات الحوار والتفاهم مع غرب كوردستان بشكل أكبر. وأضاف: “لن يتمكن الكورد من تحقيق أهدافهم إذا استمروا في هذا التشرذم. الوحدة الكوردية هي الطريق الوحيد لضمان حقوقنا وتثبيت وجودنا في هذه المنطقة المتقلبة”.
واختتم برواري تصريحاته بالتأكيد على أهمية التكاتف الكوردي، قائلاً: “حتى الآن، لم يتم تنفيذ قرار البرلمان في إقليم كوردستان بشأن الاعتراف بسيادة شمال وشرق سوريا (غرب كردستان)، وهذا يعكس التحديات التي تواجهنا. يجب أن نعمل معًا لتحقيق هذا الهدف المشترك، وأن نكون موحدين في مواجهة التحديات التي تواجهنا من جميع الأطراف في المنطقة”.