مانشيتمقالات رأي

رجال حول الجولاني

محسن عوض الله

منذ تصدره المشهد السياسي في سوريا، عَقِبَ هروب رأس النظام السوري بشار الأسد، قَدَّمَ أبو محمد الجولاني نفسه في ثوب جديد، هو السياسي البارع أحمد الشرع، وهو ثوب أثبتت الأيام أن الجولاني أو الشرع يجيده بشكل كبير، بل ربما لا نبالغ أنه كان مستعدا لتلك اللحظة التي لم تكن أبداً عفوية.

تمتع الشرع في كل تصريحاته بفصاحة وحس سياسي كبير، وإدراك لطبيعة المرحلة الجديدة؛ فلم يصدر منه ما يُساء فهمه، أو يسبب لغطاً أو يثير حفيظة فئة أو تيار أو قومية أو عرق في سوريا.

كانت تصريحات الشرع منذ 8 كانون الأول / ديسمبر مختلفة تماماً عن الجولاني الذي يمكن القول أنه فترة وانتهت في حياة الرئيس الإنتقالي السوري، بل لا نبالغ أن الجولاني قد مات رسمياً مع ولادة الشرع.

نعم قد مات الجولاني بتطرفه المعروف وأيدلوجيته المتشددة التي لا تري الآخرين، ولا تعترف بهم، وولد الشرع بفكره المتفتح الذي يرحب بكل التيارات، ويتحدث عن حقوق الأقليات بصورة أذهلت أشد أعدائه بل وأقرب محبيه.

الأزمة في سوريا ليست في الشرع بل في الذين معه، أو بمعني أدق في المحيطين بالشرع، ويتعاملون معه على أنه الجولاني، أو يريدون من الشرع أن يعود للجولاني الذي لا يعترف بحقوق أحد، ولا يتفاهم أو يتواصل أو يتهاون مع غير ما يريدون بل ربما لا يريدون للشرع أن يبتسم في وجه كردي أو أيزيدي أو علوي أو درزي.

هؤلاء الذين يريدون إحياء الجولاني في شخص الشرع؛ لا يمانعون من انتهاج السياسات القديمة من قتل وتفجير وربما اعتقال من أجل تحقيق أهدافهم، وتنفيذ خططهم ومأربهم على حساب حياة المدنيين وأرواحهم وأمن واستقرار سوريا.

وربما يكون التفجير المأساوي الذي شهدته مدينة منبج جزء من هذه المخططات التي تستهدف صناعة الفتنة التي لم تخمد نيرانها بعد في سوريا، خاصة أنه بعد التفجير مباشرة سعت منصات معروفة بتوجهاتها لإلقاء المسؤولية عن التفجير لقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما أثار الشكوك حول النوايا الحقيقية للتفجير الذي دفع ثمنه نساء بريئات ليس لهن ذنب.

فكرة اتهام قوات سوريا الديمقراطية أو الكرد بشكل عام في تفجير منبج تفتقر للمنطق، خاصة أن منبج كانت حتى قبل أيام قليلة من سقوط النظام السوري جزء من مناطق الإدارة الذاتية، وتخضع لسيطرة قوات قسد، وتخلت عنها بوساطة أمريكية من أجل حقن الدماء في منبج التي كانت في مرمى النيران التركية ليل نهار.

إذا أردنا معرفة المتورط الحقيقي في تفجير منبج؛ فربما يجدر بنا البحث عن المستفيد الأول من شيطنة الكرد وقسد، ومحاولة اتهامهم بالوقوف وراء الحادث البشع، الذي آلمنا، إذ نعزي أهالي الضحايا ونسأل الله أن يربط على قلوبهم.

أذا أردتم معرفة الجاني ابحثوا عن تركيا التي قصفت منبج على مدار أسابيع وشهور، واستهدفت سد تشرين ما تسبب في انقطاع خدمات الكهرباء عن المدينة.

ابحثوا عن مرتزقة وميليشيات الجيش الوطني الذين لم يتوقفوا عن شن الهجمات المسلحة على  منبج، وقلبت فرحة أهالي المدينة بسقوط نظام الأسد خوفاً ورعباً على أبنائهم وحياتهم.

ابحثوا عمن كان وما زال يروج للفتنة العربية الكردية في سوريا، ومن ينشر الشائعات حول الكرد، ومن يفبرك التقارير حول قوات سوريا الديمقراطية، ويهدد باعتقال قياداتها.

ابحثوا عن رجال الجولاني الذين لم يصبحوا حتى الآن سياسيين مثل أحمد الشرع، ولا يريدون الخروج من عباءة الهيئة والجماعات الجهادية المتحالفة معها.

ابحثوا عمن استخدم المفخخات في سوريا، ومن طالما أرسلها لتقصف أعمار السوريين، وتنشر الرعب والحزن وسط الميادين والمدن السورية.

ابحثوا عن الدور التركي في حكومة دمشق، وكيف تحاول المخابرات التركية توجيه الطائفة المحيطة بالشرع لتنفيذ سياسات تخدم المصالح التركية، بغض النظر على تأثير ذلك على استقرار سوريا من عدمه.

في النهاية عاملات منبج بتنَّ شهداء عند ربهم يرزقون، وستبقي دماؤهن لعنة على كل من تورط في قتلهن، ولكن واجب الجميع أن يبحث عن هذا القاتل الذي لا يستطيع التعبير عن نفسه أو إدارة خلافاته السياسية سوى بالمفخخات والتفجيريات، فما أخطر هذا القاتل على سوريا وشعبها، حفظ الله سوريا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى