مانشيتمقالات رأي

عفرين وحادثة دخول الأمن العام إليها

قاسم عمر

شهدت مناطق شمال وشرق سوريا مجموعة من الأحداث المريرة والعصيبة، وتوالت عليها جملة من الاحتلالات، كانت أبرزها احتلال عفرين من قبل الدولة التركية ومرتزقتها في ٢٠١٨. جاء هذا الاحتلال كَرَدِّ فعل من الدولة التركية، نتيجة هزيمة أداتها داعش أمام صمود مقاومة كوباني. بالإضافة إلى سلسلة من مقايضات آستانة بين الدول الضامنة آنذاك (تركيا، روسيا وإيران)، حيث أفضت هذه المقايضات إلى احتلال عفرين، وتهجير سكانها الأصليين منها، وتوطين غيرهم من مناطق كالغوطة الشرقية ومدن حمص.

ما إن احتل عفرين، بدأ بتغيير المعالم الثقافية والاجتماعية لهذه المدينة من خلال فرض العملة واللغة التركية، نهب الأثار، وعمد على اقتلاع أشجارها وسرقتها، اغتصب وقتل المدنيين العزل، وعاث مرتزقتها بالأرض فساداً. تسبب بنزوح وتشريد الآلاف من سكانها قسراً، مطبقاً بذلك سياسة الحزام العربي كما في الستينيات من القرن الماضي.

بعد سقوط نظام الأسد الذي كان طرفاً وجزءاً من هذه المؤامرة والعملية التقايضية، ومجىء حكومة أحمد الشرع، كان من المفترض أن تقوم تركيا بسحب مرتزقتها من عفرين، وإلغاء كل ما دار بينها وبين نظام الأسد البائد، باعتبارها تدعي أنها الداعمة الأساسية للثورة السورية. ولكن على النقيض من ذلك؛ أستغلت الفوضى الحالية في سوريا، ودفعت بمرتزقتها للقتال ضد قوات سوريا الديمقراطية في سد تشرين وجسر قرقوزاق.

من المفترض أن تسلم تركيا المناطق التي احتلتها إلى الإدارة السورية، إذا كانت نواياها سليمة تجاه السوريين. لكن يظهر للعيان أن تركيا تحاول بشتى الوسائل توسيع دائرتها، واقتضام أجزاء أخرى من سوريا وإلحاقها بها، وحتى أكثر من ذلك؛ تحاول أن تجعل من سوريا ولاية تركية خالصة. فالسبب الوحيد من عدم سحبها للمرتزقة من عفرين، هو الضغط على الإدارة الجديدة في سوريا من جهة، واستمرار عملياتها العدائية تجاه مناطق شمال وشرق سوريا من جهة أخرى.

في الآونة الأخيرة، دخلت عناصر من الأمن العام التابعين للإدارة السورية الجديدة، وأنسحبت منها على الفور. هناك عدة سيناريوهات يمكن أن تفسر من خلالها ما جرى، وما حصل في عفرين. إما أنها كانت مسرحية تمت إعدادها في أروقة الاستخبارات التركية، لتزيد من عدائها ضد من تبقى من أهالي عفرين، أو أن الأمن العام دخل بالفعل وانسحب نتيجة ضغط تركي على حكومة الشرع. أو أنها خططت لدخول الأمن العام لتظهر للعيان بأنها قوة غير محتلة، وستسلم المنطقة للحكومة الحالية. إذاً كانت مسألة دخول الأمن العام دعاية للاستهلاك الإعلامي ليس إلا.

إذا كان الأمن العام دخل أصلاً وأنسحب منها، هنا تدان الحكومة الجديدة بكل ما يحصل في عفرين من انتهاكات وجرائم. أما إذا كانت مسرحية تركية، فهذا أيضاً سيلقى اللوم على الحكومة الجديدة، لأنها تقف صامتة إزاء ما يحصل في عفرين، إذ أنها مطالبة اليوم بحفظ سيادة أراضيها من الاحتلال. لا يمكن للمسألة السورية أن تحل بوجود الاحتلال التركي على الأراضي السورية، لأنها تحاول وتسعى لتقسيم سوريا، ليس كما تروج لنفسها أنها تحافظ على أمنها القومي وحدودها من أي اعتداء. هذه المخاوف غير مشروعة، لأن أهالي عفرين لم يكونوا خطراً على أمن أحد. أهالي عفرين لم يغيروا معالم مدينة أخرى، ولم يستوطنوا أراضي أحد، بل هم أكثر الناس الذي يعانون من التهجير القسري، خصوصاً أنهم هجروا لمرتين متتاليتين من أراضيهم. فإذا كانت تركيا جادة في إحلال السلام في سوريا، عليها أن تنهي احتلالها، وإذا كانت الحكومة الجديدة جادة أيضاً، فعليها أن تفتح الطريق أمام عودة الأهالي إلى قراهم وبيوتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى