أخبارمانشيت

المنتدى الثقافي المصري: الأمة الديمقراطية نموذج للتعايش

في الذكرى 26 للمؤامرة الدولية على القائد عبد الله أوجلان، عقد المنتدى الثقافي المصري ندوة ثقافية موسعة بمشاركة نخبة من الكتاب الصحفيين والإعلاميين والأكاديميين حول الأوضاع الراهنة في سوريا تحت عنوان تطورات المشهد السوري.

في بداية الندوة أكد الدكتور أحمد أنبيوة الأستاذ بجامعة القاهرة، أن خروج الأسد المفاجئ من سوريا، طرح العديد من الأسئلة الشائكة التي تحتاج إلى إجابات واضحة وقاطعة، ومن خلال الإجابة على تلك الأسئلة يمكن خلق تسلسل للأحداث وتفسيرها لبيان مستقبل الدولة السورية، لافتاً إلى أن سوريا أمام عدة خيارات بشأن هوية وشكل الدولة المستقبلية من بينها تجربة شرق أوروبا وغيرها من التجارب التي تنطوي على تجارب الانتقال الديمقراطي السلس، في مقابل نماذج أخرى انتهجت الاستبداد والديكتاتورية، خاصة وأن تعقيدات المشهد السوري الراهن تفرض العديد من الإشكاليات فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية وسبل تحقيق العدالة.

نماذج فوضوية

وأوضح أن من بين المخاوف التي تظهر من آن لآخر بين المهتمين بالشأن السوري هو التحول نحو نماذج فوضوية مثلما حدث في العراق بعد سقوط نظام البعث الذي خلق انقساماً عرقياً بين المكونات والشعوب كافة وعلى رأسها العرب والكرد، فضلاً عن انهيار الأمل في العدالة والمساواة، لافتاً إلى أن الديمقراطية في مضمونها تجسد وسيلة لإدارة الصراع بين المختلفين، ونجحت بعض المجتمعات المنقسمة بالفعل في تحقيق التوافق من خلال الآليات الديمقراطية.

وأشار “أنبيوة”، إلى نموذج الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا الذي قدم نموذجاً للتعايش وبناء مكون ديمقراطي يدير الخلافات، ويضمن احتواء ومشاركة الجميع في بناء المؤسسات وتحقيق الأمن، وتفكيك آليات القمع من خلال الأرشفة الأمنية ووضع حواجز صلبة، وأعزى نجاح نموذج الإدارة الذاتية إلى اعتماده على الديمقراطية اللامركزية، حيث يتمتع السكان بحق إدارة شؤنهم مع تقليل الاعتماد على الدولة المركزية، وهي تجربة تقدم نموذجاً مهماً لتحقيق التعايش وبناء مؤسسات قوية وديمقراطية ليست مستوردة من الخارج.

المشروعات الإقليمية

الدكتور “طه علي” الأكاديمي المصري والباحث في شؤون الهوية، أكد خلال كلمته أن القضية السورية هي أكثر قضايا الشرق الأوسط تعقيداً بسبب تعارض المشروعات الإقليمية وانعكاسها على المجتمع الداخلي، وأرجع ذلك إلى فشل منظومة العمل العربي المشترك، وعلى رأسها جامعة الدول العربية في احتواء تلك البقعة الجغرافية المهمة، حتى أن القضية السورية يتم دراسة واقعها ومستقبلها والتخطيط له خارج المنظومة العربية، لافتاً إلى أن المشروع الطوراني العثماني والمشروع الصهيوني يديران المنطقة: «المشروعات يبدو وكأنهما متناقضان إلا أنهما متكاملين ومتداخلين في العديد من الملفات في المنطقة، فهناك صمت من حكومة دمشق المؤقتة على الممارسات الإسرائيلية على الأراضي السورية وذلك بإيعاز من الاحتلال التركي”.

وقدم “علي”، مجموعات تساؤلات: هل مثل سقوط البعث بداية لمحطة جديدة من الأزمات؟ خاصة وأن المنطقة العربية تعاني من إشكالية اندماج الدولة الوطنية التي يجب أن تحتوي الجميع، وهل تدرك إدارة تحرير الشام الأزمة الحالية؟ وهل تقدم على الإعلان عن هوية الدولة هل هي إسلامية أم عربية أم علمانية؟، وأشار إلى أن الاستعانة بنموذج إدلب لتطبيقه على كامل الأراضي السورية يمثل انحرافاً عن المسار الديمقراطي، مشيراً إلى أن الشاغل الأول للإدارة المؤقتة منذ السيطرة على السلطة حتى مؤتمر باريس، هو تحقيق شرعية ثم حشد الموارد الاقتصادية لتجاوز الأزمة المالية، ولذلك زار الجولاني السعودية، وحث المجتمع الدول على عقد مؤتمر للمانحين في بروكسل الشهر المقبل، وأكد أن إدارة تحرير الشام غابت عنها الشرعية المجتمعية وتحقيق التوافق: “الطبيعة الأحادية للسلطة، وتطابق رؤيتها مع المشروع التركي في سوريا بدليل استبعاد المكونات السورية  يؤشر إلى مستقبل لا يبشر بالخير، ولن نتوقع من سلطة تربت على أيدلوجيا متطرفة أن تتعامل مع مجتمع متنوع، والمستقبل يمكن أن نقرأه من خلال تحركات المجتمع الدولي الذي سبق وأن صنفت كثير من دولها هيئة تحرير الشام بالجماعة الإرهابية، والآن يتفاوضون على رفع التنظيم من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات عن سوريا”.

نموذج الأمة الديمقراطية

فيما أكد الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ المعاصر، أن الندوة تأتي في الذكرى 26 للمؤامرة الدولية على القائد عبدالله أوجلان الذي كان مهموماً بالوطن والإنسانية، قدم تجارب نضالية وحلول فكرية مناسبة لبنية الشرق الأوسط، وفي القلب منها كردستان، مشيراً إلى أن نموذج الأمة الديمقراطية الذي قدمه القائد أوجلان اختبار عملي لما حدث مع مكون أصيل من مكونات سوريا، وأضاف:  “للإجابة على سؤال الأمة الديمقراطية، قسمت كردستان لشطرين بعد احتلالها من الدولة الصفوية العثمانية ثم تدخلت الدول الغربية لترسيم الحدود، وفي سايكس بيكو لم تعد هناك كردستان شرقية ولا غربية وإنما أربعة، شمال وجنوب وشرق وغرب وتم تقسيم المقسم لتظهر إيران وتركيا والعراق وسوريا”.

وكشف أن دستور الجمهورية العربية المتحدة في سوريا تجاهل الحرية الكردية وانتهجت السلطات حينها جرائم إبادة ثقافية منظمة وممنهجة حيث اعتقلت 500 كردي في الستينيات ثم باشرت مخططات تغيير الهوية الجغرافية لغرب كردستان وتفريغ مفاصل الدولة من الكرد، وأثناء حكومة الانفصال من عام 1961 إلى عام 1963 زادت وتيرة القمع ضد الكرد وفي 1962 اعتقلت المخابرات مئات الطلاب الكرد بتهمة كتابة شعارات كردية على الجدران لإرهاب الشباب، وإجهاض أي حراك سياسي.

وأضاف: “في الحسكة سحبت السلطات الجنسية من 15 ألف كردي، وجردتهم من حقوقهم وصاروا أجانب، وبداية من العام 1963 انتهج البعث استراتيجية لمحو هوية الكرد، ووضع قاعدة لتهجير العناصر العربية للمناطق الكردية، ورفض إنشاء مؤسسات تعليمية كردية، وعمد إلى ترحيل كرد الحسكة إلى تركيا، وتعدى على حقهم في التمليك، تزامناً مع التحريض ضدهم في الأوساط العربية، وتجريد رجال الدين من تأثيرهم وإبعادهم عن مناطقهم، وتجنيد الكرد ممن يدعون أنهم من أصول عربية لخلق فتنة، ومراقبة الشباب والقيادات ومحاسبتهم، وتكوين وحدات عسكرية مهمتها إجلاء الكرد وإيواء العرب في المناطق الحدودية، فضلاً عن حرمان الكرد من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية”.

الإدارة الذاتية

ولفت إلى أن الحسكة أصبحت منطقة حدودية في عام 1964 وحُرم الكرد من التملك فيها وفقاً لسياسات حزب البعث، وتم اعتقال مئات الكرد لضمان عدم قيام الثورة ضد سياسة الحزام العربي بالمناطق الحدودية، وشهدت عشرات القرى الكردية مواجهات دموية لرفضهم التهجير، وعقب سقوط صدام حسين في العراق تم الاعتراف باللغة الكردية وإقليم كردستاني وهاج النظام البعثي في سوريا خوفاً من تكرار التجربة في بلاده، وفي عام 2004 ارتكب النظام مذبحة القامشلي وانتفض الكرد حينها وخرجوا للشوارع لمدة أسبوع، ومارس النظام بحقهم جرائم إبادة جماعية واعتقل الآلاف، تزامناً مع إحياء خطة الحزام العربي بانتزاع أراضي الكرد ومنحها للعرب، واعتقال المثقفين ومحاكمتهم عسكرياً، ومنع بيع كتبهم في المكتبات العامة والخاصة.

وكشف عن سعي بشار الأسد بعد ثورات الربيع العربي إلى التقرب للكرد مع منحهم وعوداً بحل القضية دون خطوات عملية، وقرر نظام الأسد منح الجنسية السورية للكرد في الحسكة بعد انتزعها منهم في الستينيات، ولم يحدث تقارب جدي رغم تشكيل الكرد تحالفات قوية مثلت طرفاً ثالثاً بين النظام والمعارضة أفضى إلى تشكيل إدارة ذاتية شمال وشرق سوريا التي تمثل تطبيق عملي لنموذج الأمة الديمقراطية الذي طرحه القائد عبدالله أوجلان خارج إطار الدولة القومية لأنها حلول قائمة على أشكال مختلفة من الدولة تضمن الاستقرار للجميع بعيداً عن المركزية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى