مانشيتمقالات رأي

الدبلوماسية الكردية.. بين الواقع والمأمول

محمود علي

كثفت الأطراف الكردية نشاطها الدبلوماسي على وقع التطورات العاصفة بمنطقة الشرق الأوسط وكردستان، وترقب الكرد في الأجزاء الأربعة من كردستان وكذلك في المهجر، مضمون الرسائل التي سيوجهها الزعيم الكردي عبد الله أوجلان من معتقله في إيمرالي، إضافة إلى الحوارات المستمرة بين قوات سوريا الديمقراطية والإدارة السورية الجديدة.

يبدو للوهلة الأولى أن ما خططت له تركيا لإضعاف الكرد في روجآفا وسوريا عموماً ولِـ لَيِّ ذراعهم، من خلال عدوانها المستمر عليهم منذ بداية الأزمة السورية، ومؤخراً نحو ثلاثة أشهر، قد ذهبت أدراج الرياح، وأصبحت الحرب عبثية لا معنى لها سوى إشغال قوات سوريا الديمقراطية ونشر الفوضى، فضلاً عن عرقلة أي حوار بينها وبين إدارة سوريا الجديدة. فتركيا تمارس ديماغوجية مفضوحة، وتتعامل بمزيد من الخبث والازدواجية مع الأطراف والقوى الكردية في باكور/ شمال كردستان، وروجآفا أيضاً. ففي حين تتحدث عن عملية سلام مع الكرد عبر الزعيم أوجلان وحزب المساواة والديمقراطية الشعوب (DEM)، وتفتح مسارات تفاوض جديدة مع حزب العمال الكردستاني وقيادته في قنديل؛ فإنها على الجانب الآخر تشن حرباً بربرية على روجآفا وشمال وشرق سوريا، وتسعى إلى تقويض الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.

وفد هيئة إيمرالي الذي زار باشور/ جنوب كردستان، أجرى عدة لقاءات مع كل من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني ورئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني، كما اجتمع مع رئاسة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة السليمانية أيضاً. ورغم أنه لم يُفصح عن مضمون الرسالة التي نقلها الوفد من الزعيم أوجلان إلى الرئيس مسعود، إلا أنها تدور حول دعوته إلى لعب دوره في عملية السلام المرتقبة بين الكرد وتركيا، على غرار ما حصل في عام 2013، إضافة إلى حثه على عقد مؤتمر وطني كردستاني على مستوى الأجزاء الأربعة من كردستان. فالتحديات أمام الكرد تقتضي الوصول إلى عقد المؤتمر، فيمَ المناخ العام بين القوى الكردية يوحي بحدوث تقارب بينها، وتوفر نوايا صادقة للتوجه نحو هكذا مؤتمر، خاصة بعد اللقاء الذي جرى بين الجنرال مظلوم عبدي والرئيس البارزاني، وتوصلهما إلى وضع إطار عام لتقارب الحركات الكردية في روجآفا بداية.

كما أن اللقاءات بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي، والتي تلت زيارة الجنرال عبدي إلى هولير، كان مشجعة، ورسمت مساراً جديداً للذهاب نحو عقد مؤتمر وطني كردي في روجآفا، يفضي إلى تشكيل منصة أو هيكلية تمثل كرد روجآفا في الحوارات المقبلة مع دمشق، وتتمكن من وضع تصور وبرنامج واضح لمستقبل الكرد في سوريا، وتضمن مشاركتهم السياسية الفاعلة في مستقبل سوريا، وبما يحفظ حقوقهم، ويحدد واجباتهم أيضاً.

تنفس الكرد الصعداء بعد تلك اللقاءات، وتعززت القناعة لديهم بأنهم قاب قوسين أو أدنى من إعلان مرجعية سياسية لهم. إلا أن بعض الشخصيات ضمن المجلس الوطني الكردي، وممن تنتابهم النوازع الفردية والأنانية، شرعوا مرة أخرى إلى التغريد خارج السرب الكردي، وبادروا إلى الاجتماع مع ما يسمى رئيس “لجنة التحضيرية لعقد المؤتمر الوطني السوري”، وقدموا صورة مشوهة وبائسة للكرد. فاللقاء كان مذلاً لهم بالدرجة الأولى، ولم يُقيم رئيس اللجنة أي اعتبار لهم، وموقفه كان ينم عن استخفاف بمطالبهم، خاصة عندما بدأ هؤلاء بترديد اسطوانتهم المشروخة المعتادة في التركيز على دور المجلس الوطني الكردي ضمن الإئتلاف، وهو – أي رئيس اللجنة – أكثر من يعرفهم وليس بحاجة إلى ذاك التعريف الممجوج. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل التقى هؤلاء مع رئيس اللجنة بعلم وقرار من المجلس الوطني الكردي، أم بأوامر مباشرة من هولير التي قدموا منها وتوجهوا إلى دمشق؟ فإن كان المجلس قد وجه كلاً من “عبد الحكيم بشار” و”إبراهيم برو” نحو عقد ذاك اللقاء؛ فإنه يكون قد عمل على نسف كل الجهود الرامية لرأب الصدع بين القوى والأحزاب الكردية، وخالف تعليمات الرئيس البارزاني، وقبل كل شيء أحبط آمال الشعب الكردي في روجآفا بتحقيق نوع من التقارب بين أطراف الحركة الكردية. وإن كان على غير علم بتحركات “بشار وبرو”؛ فالأجدى به أن يحاسبهما ويطردهما من صفوفه، لأنهما يشوهان سمعة المجلس أولاً، وأن يعلن أن تصرفهما فردي لا علاقة للمجلس بهما، وأنه لم يوعز لهما بعقد ذاك اللقاء، وذلك عبر بيان واضح وشفاف.

كما على إدارة هولير أن توضح موقفها من تصرفات “بشار وبرو”، إما أن تتبرأ منهما، أو تعلن أنها على علم بذلك اللقاء، لطالما أن هولير أصبحت محطة يجتمع فيها الكرد، وتتطلع إلى لعب دور طليعي في لم الشمل الكردي، وتطرح نفسها كنقطة التقاء بين الكرد، وبالتالي يجب أن تكون حريصة في ذات الوقت على عدم ظهور أي نزعات فردية من شأنها أن تعكر المزاج العام لدى الكرد، أو تنسف كل الجهود المبذولة في سبيل الوصول إلى وحدة الموقف الكردي، على الأقل في روجآفا.

إن الديناميات والآليات السابقة للعمل السياسي مع أطراف ما تسمى بالمعارضة السورية السابقة، ومنذ اليوم الأول، لم تقدم للكرد أي مكاسب أو أي فوائد تذكر. والعمل بتلك العقلية الآن يعد ضرباً من ضروب الغباء السياسي لا أكثر. فرغم أن ما تسمى “اللجنة التحضيرية للمؤتمر” لم توجه الدعوة لأي طرف كردي بالمشاركة في التحضير للمؤتمر المزمع عقده، بل استبعدت قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن “بشار وبرو” لم يكترث أحدهما لهذا الأمر الهام والمفصلي، وكأن في مخيلتهما المريضة أنهما سيحققان للكرد ما عجزت عنه مجموع الحركات والأحزاب الكردية، وسيخلقون معجزة بأن ينالا اعترافاً من الإدارة السورية الحالية بحقوق الكرد.

الكرد أمام مرحلة عاصفة بالتطورات، وتحمل معها آمالاً كبيرة بتحقيق حلمهم في العيش بكرامة على أرضهم التاريخية وممارسة ثقافتهم بكل حرية، إلى جانب وجود مخاطر وتحديات جدية تهدد وجودهم، وفي أجزاء كردستان الأربعة، وخصوصاً في روجآفا، حيث لا يزال الكرد يخوضون معركة الوجود والحفاظ على مكتسباتهم، ضد أشرس حملة طورانية تركية. وإن كانت الإدارة السورية الجديدة تطلق التصريحات الناعمة التي تدغدغ مشاعر الكرد، إلا أنها لم تبادر إلى إطلاق أي مبادرة لوقف حرب الإبادة التي تطبقها تركيا على الكرد، لطالما أنها تدعي حفاظها على السيادة السورية، وعلى كل جزء من الأراضي السورية، وأنها حريصة على حماية كل مكونات الشعب السوري، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والإثنية والسياسية والمذهبية.

إن الحضور الكردي المنفرد في دمشق لا معنى له في هذا التوقيت الحساس بالضبط، ولا يعبر عن نبض الشارع الكردي بأي حال من الأحوال، وهو يتناقض تماماً مع ما بدأت به الحركة السياسية الكردية في باكور كردستان، ممثلاً بالدبلوماسية التي يقودها حزب (DEM) في التواصل مع جميع الأطراف الكردية وإشراكها في صنع عملية السلام في كردستان، وتشكيل رأي عام كردي وإقليمي وتركي ضاغط على النظام التركي، لحمله على قبول حل القضية الكردية في كردستان بالطرق السياسية والسلمية. وكذلك تعمل قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية بالآلية والنهج نفسه، حيث تجهد في الجمع بين أطراف الحركة الكردية في روجآفا، وتشكيل وفد مشترك والذهاب للحوار مع دمشق، خاصة أنها تملك من أوراق القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية، ما يمكّنها من فرض شروطها – وبقوة – على طاولة الحوار. فيمَ لا أحد يعلم ما هي أوراق القوة التي يمتلكها كل من “بشار وبرو”، ليتمكنوا من التفاوض والحوار بها مع دمشق، وكل الخوف أن يتبين للقاصي والداني في نهاية الأمر أنهما لا يملكان سوى أنفسهما.

يبقى نجاح الدبلوماسية الكردية من عدمه؛ مرهون بجدية القوى الحاملة لمشروع إحقاق الحقوق الكردية، وكذلك بالدعم الدولي والإقليمي لها، وإمكانية توظيف هذا الدعم في خدمة حل القضية الكردية، وبالشكل الصحيح والمكان المناسب، إضافة إلى الاعتماد على قوة الذات والمكتسبات التي حققتها طيلة كفاحها المرير والطويل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى