مانشيتمقالات رأي

هل يفعلها الشرع؟

محسن عوض الله

منذ سيطرته على مقاليد السلطة في دمشق، اعتمد أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي في سوريا، على لغة خطاب تصالحية جامعة استطاع بها أن يأسر قلوب السوريين أو هكذا حاول.

لغة ربما تتناقض مع الصورة الذهنية للشرع نفسه، الذي كان قبل ساعات من دخوله دمشق يعرف بـ”الجولاني”، ذلك الجهادي المرتبط بالقاعدة والتنظيمات الجهادية.
خطاب الشرع الإيجابي أو الذى حاول تصديره، تجاه المكونات السورية المختلفة، وخاصة الكرد، كان ملفتًا بشكل كبير، بل على عكس ما توقع الكرد أنفسهم الذين كانوا حتى وقت قريب يتشككون في نوايا الرجل، بل ربما مازال بعضهم كذلك، ولهم في ذلك كل الحق، خاصة أنه لم يكن بين الطرفين خلال فترة الأسد إلا الدعاية التركية السلبية التي تجعل من الكرد شياطين ومن الشرع أو الجولاني إرهابيًا تكفيريًا قاتلًا.
نجاح الشرع في فرض السيطرة على مقاليد السلطة في دمشق، وتولي إدارة الأمور بهذه السلاسة كان ملفتًا أيضًا، خاصة أن الأمور دارت بسرعة وتلقائية شديدة. فرغم إيماننا أن هناك قوة كبرى أدارت المشهد ليخرج بهذه السلمية، إلا أنه يحسب للشرع ورجاله سرعة استلام الأمور، وتشكيل حكومة لتسيير الأعمال.

كانت تشكيل حكومة تسيير الأعمال أول تحد عملي لأقوال الشرع الذي كان عليه أن يحول تلك الكلمات المعسولة إلى واقع على أرض، ولكنه لم يفعل مكتفياً بحكومة من أنصاره وحلفائه في هيئة تحرير الشام وجهادييها، حيث جاءت غالبية أعضائها من حكومة الإنقاذ التي كانت تدير إدلب، معلّلاً ذلك بأن هذا الأمر كان ضروريًا جدًا لضمان الحفاظ على مصالح المواطنين، وسرعة استعادة دولاب العمل بالدولة.

تبريرات الشرع وحلفائه في مواجهة الانتقادات التي طالت تشكيل حكومة تسيير الأعمال، وأن عمرها أقل من 4 أشهر ولا تحتاج لمفاوضات بين القوى السورية لتشكيلها؛ يمكن تمريرها أو القبول بها على مضض في ظل التعقيدات التي يشهدها الملف السوري.

ولكن ما تم قبوله على مضض لن يتم السماح بتكراره في مواقف قادمة، خاصة مع اقتراب تشكيل الحكومة الجديدة.

تصريحات الشرع الإيجابية ربما ستكون في اختبار صعب مع الإعلان عن حكومة جديدة يفترض أن تتولى إدارة الأمور في آذار أو نيسان على أقصى تقدير. فما وافق عليه السوريون في حكومة محمد البشير لن يقبلوه في حكومة نيسان.
الشرع الذي نصب نفسه رئيسًا انتقاليًا، وأعلن عدم إجراء انتخابات قبل 4 سنوات أصبح عليه إثبات حسن نيته، فالديمقراطية وقبول الآخر ليست مجرد تصريحات إعلامية بل واقع وسياسات يجب الالتزام بها.

الحكومة السورية الجديدة المزمع تشكيلها ستمثل نقطة محورية في مسار سوريا ومستقبلها، خاصة أنها ستكون أول حكومة رسمية بصلاحيات كاملة بعد سقوط نظام الأسد، كما أنها ستؤدي اليمين الدستورية أمام أحمد الشرع بصفته الرئيس الانتقالي للبلاد. وبالتالي، ستكون الحكومة معبرة عن سياسة الشرع ومنفذة لتوجيهاته وسياساته التي ستتضح أكثر منذ بدء مشاورات تشكيل الحكومة.
حكومة سوريا الجديدة يجب أن تكون معبرة عن جميع المكونات وليس عن تيار دون آخر؛ فهي حكومة لكل السوريين دون إقصاء لمذهب أو دين أو قومية. يجب أن يشعر الجميع في سوريا أن هناك من يعبر عنهم ويسمع صوتهم ويتحدث باسمهم. وبالتالي، يجب ألا تستثني مشاورات تشكيل الحكومة أحدًا، ولا يجب الإعلان عنها إلا بعد التشاور مع جميع المكونات والتيارات والشعوب في سوريا.
رغم رفضي لفكرة المحاصصة، إلا أن هذه الفترة تحديدًا في تاريخ سوريا تحتاج لتطبيق جزء من هذه الفكرة، خاصة في ظل عدم وجود انتخابات شعبية تعبر عن آراء وتوجهات الشعب السوري. وبالتالي، فإن حكومة محاصصة تكنوقراطية قد تكون النموذج الأمثل للوضع في سوريا لحين إجراء انتخابات عامة يتم بعدها إلغاء أي محاصصة، ويكون صوت الشعب هو الحاكم.
بجانب الحكومة، تحتاج سوريا لمجلس استشاري للرئيس الانتقالي. ففي ظل عدم وجود برلمان يراقب الرئيس، لا يجب أن يبقى الشرع وحده حاكمًا بأمره. فسوريا ليست بحاجة لديكتاتور جديد أو زعيم أوحد، بل يجب تقييد سلطات الرئيس، وتوزيع صلاحياته ضمن مجلس استشاري يعبر عن جميع المكونات والشعوب في سوريا، ويتم اختيار أعضائه وفق آلية معينة بالتنسيق مع القيادات العرقية والقومية والسياسية.
بجانب المجلس الاستشاري الرئاسي، ربما يكون من الجيد تعيين نائبين للرئيس الانتقالي يتولى كل منهما إدارة مجموعة من الملفات بصلاحيات رئاسية.
كما يمكن تشكيل ما يمكن وصفه بمجلس شعوب سوريا كبديل عن البرلمان؛ وهو كيان يجب أن يعبر عن جميع المكونات والشعوب، بحيث يتم اختيار 3 ممثلين عن كل عرق وقومية وتيار ومذهب في سوريا، على أن يكون رئيس المجلس أحد نواب الرئيس، ويساعده في ذلك اثنان من أعضاء المجلس الاستشاري الرئاسي. تكون توصيات هذا المجلس بعد إقرارها من الرئيس ملزمة للحكومة.
ختامًا، ليس هناك أكثر من المقترحات التي تعبر عن التوجه نحو الديمقراطية، وما أكثر الأسماء والشخصيات في سوريا التي تمتلك رؤى سياسية واستراتيجية قادرة على الخروج بالبلاد من إرث الاستبداد والديكتاتورية الذي عاشته على مدار أكثر من نصف قرن.
ويظل الأمر حتى الآن في يد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي عليه أن يثبت للسوريين أنه رئيس للجميع، وأن دعواته وتصريحاته ليست مجرد فض مجالس أو شو إعلامي، بل إيمان عميق بأن سوريا تستحق الأفضل.

علي الشرع أن يثبت أنه ليس ألعوبة في يد دولة معينة، وأن يتحرك بشكل أكثر فعالية لوقف الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، عليه أن يتخذ نفس الإجراءات التي يمارسها مع فلول الأسد، مع ميليشيات تركيا فكلا الطرفين يمارسون الإرهاب، وينشرون الفوضى في سوريا.
الشرع أمام مفترق طرق: إما أن يسير في اتجاه الديمقراطية وإشراك الجميع في مستقبل سوريا، وفي هذه الحالة سيقف الجميع معه وسيدعمه الداخل والخارج، أو أن يعتقد نفسه الزعيم الملهم القادر على كل شيء، ويشكل حكومة تسبح بحمده، وتتجاهل الجميع وقتها سيخسر الجميع في الداخل والخارج، وقد يخسر روحه أيضًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى