مقالات رأي

المؤتمر الوطني الكردي والرهانات المستقبلية


محمود علي
فيما لم يحدد بعد الموعد النهائي لعقد المؤتمر “القومي/ الوطني” الكردي في روجآفا؛ إلا أنه هناك إجماع عام من قبل جميع الأحزاب والحركات السياسية الكردية، على حضور المؤتمر، فيما شارفت اللجنة التحضيرية للمؤتمر على الانتهاء من أعمالها، ووزعت الدعوات لحضور المؤتمر.
انعقاد المؤتمر في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ النضال الكردي في روجآفا وسوريا، يضع الكرد في موقع الاهتمام الأول، ويوحد كل الجهود في سبيل فرض حل للقضية الكردية، وبما يتناسب وحجمها، ويضعها على الطريق الصحيح كقضية شعب ووطن، ويؤطر كل الحراك الكردي السياسي والشعبي ويعطيه زخماً وبعداً محلياً وإقليمياً ودولياً، ما يجعل الحركة الكردية عنصراً فاعلاً في معادلات التوازن الإقليمية والدولية.
لا يمكن تجاهل البعد الكردستاني ودوره في تقريب وجهات نظر الأطراف الكردية في روجآفا، وهي – أي القوى الكردستانية – تعول على الوحدة الكردية في الوصول إلى تثبيت الوضع الكردي في روجآفا، ومن ثم البناء عليه في تحقيق قفزات أخرى؛ إن كان في باكور أو باشور كردستان، فغدت روجآفا في هذه المرحلة واسطة العقد لحل القضية الكردية، وعلى مستوى الأجزاء الأربعة من كردستان. فزيارة الجنرال “مظلوم عبدي” لهولير ولقائه مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني “مسعود البارزاني” فتحت الطريق أمام تطورات كبيرة، أهمها زرع الثقة بين الأطراف الكردية المتخاصمة وتقريب وجهات نظرها، خصوصاً بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، وتمثلت بالضغوط التي مارسها “البارزاني” على الوطني الكردي لحمله على عدم الخروج عن الإجماع الكردي، وضرورة التنسيق والتفاهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية (PYNK) للوصول إلى صيغة مشتركة لطرح برنامج حل القضية الكردية في روجآفا وسوريا، وهو ما تمثل مؤخراً في المذكرة السياسية التي من المتوقع أن تتم المصادقة عليها في المؤتمر القومي المزمع عقده خلال الأيام القادمة.
كان للجنرال “عبدي” دور كبير في إنجاح جلسات الحوار والوصول إلى تفاهمات رئيسية بين الطرفين، كما أن الجهود التي بذلتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا ساهمت في تشجيع الطرفين لمواصلة الحوار. ويبدو أنهما تراهنان على الكرد في لعب دور محوري في التطورات المستقبلية في سوريا، والدفع نحو رسم مسار جديد، يتيح لجميع الأطراف المشاركة في إدارة البلاد. فالوزن السياسي للحركة الكردية في سوريا، وقوتها التنظيمية والدعم الذي تتلقاها من حاضنتها الشعبية؛ تؤهلها لتكون القوة الأكثر فاعلية في المشهد السوري، والعديد من الأطراف الوطنية والديمقراطية السورية تعول عليها لإحداث تغيير في سوريا، والكرد من خلال وفدهم المرتقب أن يحط رحاله في دمشق؛ سيكون أكثر ديناميكية في فرض معادلات سياسية جديدة، يترقبها المجتمع الدولي، بل يجد فيها أولوية للانفتاح على حكومة دمشق، وهذا سر الاهتمام الأمريكي والفرنسي والغربي بشكل عام بالوحدة الوطنية الكردية، فهي تجدها المفتاح للولوج إلى سوريا ديمقراطية تعددية.
ولا يمكن فصل ما يجري في الساحة السورية عما يجري في روجآفا من عمل جاد في تثبيت الكرد على الخارطة السياسية في سوريا. فرغم ارتفاع حدة التصريحات المضادة بين كل من تركيا وإسرائيل حيال سوريا، والتهديدات المتواصلة الصادرة من المسؤولين الإسرائيليين، بقرب الصدام مع تركيا على الأراضي السورية، إلا أنها تصريحات لن تخدع أحداً، ولن تخرج عن إطار تعزيز كل منهما لمواقعهما داخل سوريا. فتركيا التي تقطع الليل بالنهار وتسارع إلى إنشاء قواعدها العسكرية في طول البلاد وعرضها، تسعى إلى فرض هيمنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على سوريا، وتمكين حكومة دمشق من فرض سيطرتها على كامل الأراضي السورية، ومن هذه الزاوية رأت أنقرة أن الاتفاقية التي وقعها الجنرال “مظلوم عبدي” مع “أحمد الشرع” أنها تأتي في إطار شرعنة حكومة الشرع، فيما تجد إسرائيل التحركات التركية في سوريا خطراً مستقبلياً عليها، بسبب النزعة الإسلاموية المتطرفة لدى العديد من القوى التي تدعمها تركيا، خصوصاً مع وجود عشرات الآلاف من “الجهاديين” في صفوف القوات العسكرية السورية، وهذا ما دفع إسرائيل إلى التوغل داخل الأراضي السورية والسيطرة على مناطق شاسعة منها.
إسرائيل التي ترفع من وتيرة معارضتها للدور التركي في سوريا، لا تزال تتعامل مع تركيا من تحت الطاولة، وتعتمد عليها على الصعيد الاقتصادي والتنسيق معها في المجالات العسكرية أيضاً. فحجم التبادل التجاري بينهما وصل في العام الأخير إلى تسعة مليارات دولار، فيما تستورد إسرائيل معظم موادها الغذائية من تركيا، ومعظم الصناعات العسكرية الإسرائيلية موجودة في تركيا، وكذلك تركيا تعتمد كثيراً على حجم السياحة الإسرائيلية في تركيا، هذا فيما تنشط شركات إنشاء تركية في الأعمال الإنشائية في إسرائيل مثل شركة “يلماز” والتي مقرها في تل أبيب، وهذا يبدد الرواية التركية والإسرائيلية معاً في حدوث أي مواجهة بينهما على الأراضي السورية. إلا أن تعاظم الدور التركي ودعمها للتيارات الإسلامية المرتبطة بـ”هيئة تحرير الشام” أو تلك المحسوبة على “الإخوان المسلمين” المؤمنة بفكرة “الجهاد” و”تحرير القدس” تجدها إسرائيل تهديداً لها. كما أن تركيا تسعى من خلال تمددها في سوريا إلى الزج بنفسها في المشاريع التي تنفذها القوى العالمية في المنطقة، وخاصة مشروع “الممر الهندي” الذي استبعدت منه، وكذلك مشروع “ممر داود” الإسرائيلي.
فالحضور الكردي القوي والوازن في دمشق، يلجم إلى حد كبير التغلغل التركي في مفاصل الدولة السورية، ويقوض جهودها في فرض لون واحد على سوريا. فرغم الخطوات الحثيثة التي يبذلها الشرع، وبدعم من تركيا وقطر في تكريس نظامه، إلا أن تلك الخطوات تبقى دون أثر مستدام لها، لطالما أنها تمثل لوناً واحداً من الطيف السوري المتنوع، والمجتمع الدولي يراهن على الكرد بالدرجة الأولى في رسم مسار وطني متعدد التمثيل يضم كل المكونات السورية المتنوعة.
إن الكرد ومن خلال وحدة موقفهم وبرنامجهم الوطني لحل الأزمة السورية؛ إنما ينقلون سوريا من حالة الانقسام والاقتتال، إلى حالة الوحدة المتناغمة مع تطلعات السوريين في وطن آمن ومستقر وخال من الإرهاب وكل أشكال التفرقة، ويعيدون لسوريا رونقها وألقها ويعيدون ترميم الجسور بين مختلف مكوناتها.
كل الاعتقاد أن الكرد تمكنوا من تجاوز المرحلة الأولى من أزمتهم الداخلية بنجاح، وتليها مرحلة البناء وتقوية مؤسسات الإدارة الذاتية. وهي لا تغدو أكثر من تفاصيل جزئية سيتم التوافق حولها بيسر طالما أن الإرادة الوطنية في الحفاظ على هيكلية الإدارة متوفرة لدى جميع الأطراف، ولم تعد المقولة التي تدعي أن “الشيطان يكمن في التفاصيل” لها معنى في ظل التوافقات الموجودة، وستضخ فيها دماء جديدة، تساهم في تجاوز حالة الترهل والفساد في بعض الهيئات، وبما يؤهلها لتحمل مسؤوليات وتحديات المرحلة، ويجعلها أكثر فاعلية وتضع برامج وخطط طموحة تصب في خدمة أبناء المنطقة ككل، وبالتأكيد لن تكون على غرار حكومة الشرع، التي احتفظ فيها بالوزارات السيادية، فيما وزع الحقائب الأخرى على بعض الموالين والتابعين في فلكه، فغدت نمطية، ذات لون واحد، وكأنها استأثرت على مفاصل الدولة ومؤسساتها، فيما لدى الإدارة الذاتية تجربة غنية في تمثيل جميع مكونات شمال وشرق سوريا، وبالتأكيد بعد تحقيق الوحدة الكردية ستصبح أكثر غنى وتنوعاً، خاصة في الإطار السياسي.
في ذات الوقت لا يمكن التقليل من حجم التحديات أمام الكرد، فتركيا ستحاول بشتى الوسائل عرقلة جهود الكرد في تثبيت حقوقهم في سوريا المستقبل، والمساهمة في إعادة بنائها ودمقرطتها، وكذلك القوى الإرهابية والشوفينية والعنصرية غير المؤمنة بالحقوق الكردية والديمقراطية، ستعمل على إضعاف الدور الكردي في سوريا، وتشويه صورتهم، وبشتى الوسائل.
تبقى حظوظ الكرد في نجاح مشروعهم الوحدوي منوطة بقدرتهم على وضع خلافاتهم الحزبوية وراءهم، والانطلاق نحو بناء هيكلية كردية قادرة على تمثيل الكرد في المحافل الإقليمية والدولية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى