سقوط كابل وشطار النصائح..قراءة في مستقبل القضية الكردية بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. هل يمكن أن تتكرر التجربة؟
صالح بوزان
بعد أن فشل حلفاء السلطان العثماني من كرد وعرب في إسقاط الادارة الذاتية كاملة في روجافا، كما نجحوا في اسقاطها في عفرين، عادت إليهم الحيوية من جديد بمناسبة سقوط كابل بيد الطالبان نتيجة الانسحاب الأمريكي. باتوا يصرّحون بفرح وسخرية عن اقتراب نهاية الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وكأن الادارة الذاتية نشأت مع التواجد الأمريكي في سوريا. لكنهم يغاضون الطرف عن حقيقة أخرى. ماذا سيكون مصير الائتلاف السوري الاسلامي والمجلس الوطني الكردي لو أُجبرت تركيا على الانسحاب من الشمال السوري؟ من سيسقط عندئذ؟ الادارة الذاتية أم الائتلاف السوري الاسلامي بشقيه السياسي والعسكري مع عملائهم الكرد؟
لا أريد خلق أوهام لأي طرف، لا لقيادة الادارة الذاتية ولا للشعوب المتحالفة بشرف وعزة وطنية في ظلها. إذا انسحبت أمريكا من شمال شرق سوريا، سيتحالف الأسد وأردوغان والائتلاف السوري الاسلامي والمجلس الوطني الكردي والعديد من الكتاب الكرد والعرب السوريين وبعض قادة اقليم كردستان الجنوبية للقضاء على الادارة الذاتية. لقد تحولت الادارة الذاتية إلى كابوس يقض مضاجعهم. فمجرد تصور بقاء الادارة الذاتية يخلق هلوسة في عقولهم. هذه العقول التي يتعشعش فيها الاستبداد ورفض الديمقراطية ورفض التعايش المتكافئ. هؤلاء يعتبرون الشعوب مجرد قطعان من الماشية تحتاج إلى رعاة على شاكلتهم يقودونها بعصاهم ويرعبونها بكلابهم المطيعة.
يتناسى المتخاذلون الكرد خاصة حقيقتين، الأولى إذا انسحبت أمريكا من العراق فستسقط الفيدرالية الكردية كما سقط مشروع الاستقلال في ساعات. والثانية إذا سقطت الإدارة الذاتية فلن تموت القضية الكردية السورية. بل سينتفض الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان بروح كفاحية جديدة.
لقد خلق حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، ولا سيما المرأة الكردية السورية، شخصية مستقلة للشعب الكردي في الشرق الأوسط وعلى الساحة الكردستانية. من قاتل عشرة سنوات في كردستان سوريا، ومن قاتل أربعين سنة في كردستان تركيا، ومن قاتل ببسالة في كردستان ايران، لن يستسلموا مثل هؤلاء الكرد المُذَلون. سيستمرون في الكفاح ولو في ظروف سرية.
لا يقرأ الكرد المُذَلون تاريخ الشعب الكردي ولا يفهمونه عندما يقرؤونه. لقد استمرت الانتفاضات والثورات الكردية ضد الامبراطورية العربية الاسلامية طيلة عهد الخلفاء، وكذلك ضد الدولة الصفوية والامبراطورية العثمانية، وهي مستمرة لغاية العصر الحديث. كان المُذل الكردي دائماً يبيع شرفه وشرف شعبه للعدو كي يعيش هانئاً في مذلّته. أما المناضل الكردي بقي يقاوم العدو حتى الشهادة كي يبقى شعبه عزيزاً عبر التاريخ بين الشعوب.
هناك خطان متوازيان في التاريخ الكردي. الأول هو المقاومة المستمرة ضد الأعداء رغم التضحيات الجسام، وهذا الخط كان يمثله أغلب الشعب الكردي وبعض رجالات الدين ورؤساء القبائل. وخط آخر يتجلى في السعي المستمر لجعل الشعب الكردي يندمج كلياً مع سلطة الأعداء ويتغاضى عن هويته. وهذا الخط مثله أغلب رجال الدين الكرد ورؤساء القبائل والنخب الثقافية التي انصهرت في الثقافة العربية والتركية والفارسية. هذا الخطان مستمران حتى تاريخ اليوم. في روجافا يمثل الخط الأول غالبية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي والأحزاب الكردية المتحالفة معه إلى جانب حزب الوحدة والتقدمي. ويمثل الخط الثاني المجلس الوطني الكردي والنخب الدينية والثقافية الكردية التي تدور في فلكه وفي فلك الائتلاف السوري الاسلامي.
إذا انسحبت أمريكا من سوريا أو لم تنسحب، ستبقى القضية الكردية صامدة وصاعدة.