واقع المرأة في شمال وشرق سوريا هل هي ولادة جديدة أم ماتزال في المخاض؟
جيان ملا، ناشطة نسوية سورية
في الوقت الذي نشهد فيه الصورة النمطية السائدة في العالم العربي والشرق الاوسط عموماً عن دور المرأة في المجتمع والتغيرات الخجولة بمشاركتها الشكلية في العملية السياسية والوصول الى مناصب صنع القرار, نرى بالمقابل نموذجاً مغايراً لواقع المرأة في شمال وشرق سوريا حيث سجّلت النساء حضوراً فاعلاً وبارزاّ حتى في المعارك ضد تنظيم داعش الارهابي حيث أصبحت الركيزة الاساسية للقوات العسكرية في المنطقة, وبالتالي مهدت الطريق أمام المرأة لتأسيس هيئات ولجان خاصة بالنساء سواء كانت في المؤسسات الرسمية او المجتمعية وفتح أبواب العمل لهنّ في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية بل و أصبحت المرأة شريكاً فعليّاً للرجل.
بالرغم من ما يحمله واقع المرأة في مجتمعاتنا من ظلم وتهميش وتخلف وحرمان للحقوق بالاضافة الى الموروث التقليدي الذي يقف عائقاً أمام تقدم المرأة ويحد من تطلعاتها نحو مستقبلٍ أفضل, إلا إن جميع هذه العوائق والتحديات حفزّت نساء شمال وشرق سوريا بعدم الرضوخ والاستسلام لواقعهنّ المرير خاصةً بعد الحرب السورية التي مازلنا نعاني من أهوالها وآلامها منذُ عشر سنوات وحتى الآن.
على عكس المتوقع ان هذه الحرب بثّت في المرأة روح التفاؤل وانبضت بما في داخلها من آمالٍ وأحلام جعلتها تنهض لثورتها “ثورة حرية المرأة وصون حقوقها”, وبالفعل استطاعت المرأة في مناطق الادارة الذاتية ان تفرض نفسها وتظهر قدراتها وإمكاناتها مع بروز نساء ناشطات وقياديات سياسيات وتمكنّ من كسر بعض القيود الاجتماعية التي كان يراها الكثير الناس بالمهمة الشبه مستحيلة.
بيدَ ان هذا الحضور المميز والمكثف للنساء في مؤسسات الادارة الذاتية وإصرارهنّ على نيل الضمانات لصون حقوقهنّ وتحقيق المساواة الفعلية مع الرجل للارتقاء معاً نحو حياةً حرة ومستقبلٍ أفضل, كان ولابّد من وجود تشريعات وقوانين تحمي المرأة على أرض الواقع وقد تجلّى ذلك في العقد الاجتماعي الذي يُعد بمثابة دستور محلي للادارة الذاتية حيث يشمل مواد قانونية خاصة بالمرأة منها:
المادة /27/: للمرأة الحق في ممارسة الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
المادة /28/: للمرأة الحق في تنظيم نفسها وإزالة كل أشكال التفرقة على أساس الجنس.
المادة /87/: تحديد نسبة تمثيل لكلا الجنسين في كافة المؤسسات والادارات والهيئات بنسبة لا تقل عن 40%.
أيضاً أصدرت هيئة المرأة مسودة قانون تحت مسمى “قانون المرأة” وتمت المصادقة عليها من قبل المجلس التشريعي للادارة الذاتية إبان تأسيسها والذي بموجبه يمنع تزويج الفتاة من دون رضائها, إلغاء المهر كونه يهدف إلى استملاك المرأة وحل مكانه تـأمين الحياة التشاركية بين الطرفين, منع تعدد الزوجات (في حال كان المخالف من موظفي الادارة الذاتية يتم فصله عن عمله), تنظيم صكوك الزواج المدني, اعتبار جريمة الشرف جريمة قتل, تحديد عقوبة للخيانة الزوجية, منع زواج حيار الفتاة و زواج الشغار (زواج البديل) وزواج الديّة (ما يعرف بزواج الدم في العرف العشائري).
أيضاً للمرأة الحق في حضانة أطفالها حتى إتمامهم سن الخامسة عشر سواء تزوجت ام لم تتزوج, منح إجازة الامومة المأجورة للمرأة العاملة, ومنحها حقوقاً متساوية فيما يخص قانون الجنسية.
وتؤكد مسودة القانون على محاربة الذهنية السلطوية عند الرجل والمساواة بين الجنسين في حق العمل والأجر والميراث والشهادة في المحاكم و وضع الطلاق الانفرادي, كما ان ممارسة العنف والتمييز ضد المرأة جريمة يُعاقب عليها قانون الادارة الذاتية وتتم المحاسبة بفرض عقوبات مشددة حسب الجرم تحت طائلة عقوبة السجن مع دفع غرامة مالية. ثمة بنود نالت الموافقة ويتم تطبيقها اما البنود المتبقية ما تزال قيد الدراسة من قبل الادارة الذاتية.
ما يجدر ذكره ان قوانين الادارة الذاتية الخاصة بحقوق المرأة هي شبيهة بالقوانين المعمول بها في الدول الغربية وبين مؤيدٍ ومعارضٍ ومستهزئ إلا إنها أصبحت أمراً واقعياً يقبله الرجل والمجتمع, وما شهدته المنطقة من حراك سياسي و دموي استوجب استنفار كل الطاقات البشرية لإرساء الاستقرار فيها وبما في ذلك الحاجة الى دور المرأة التي شاركت في التحركات السياسية كداعية و مفاوضة أساسية في الحوار.
للمرأة دور إيجابي في صنع السياسة العامة وذات أهمية فهي كانت السّند الاساسي لنشوء الادارة الذاتية, و يبدو لنا جميعاً ان وضع المرأة السورية في شمال وشرق سوريا قد خرجت من قوقعتها المظلمة وبدأت ترى النور بعينيها و تشعر ببصيص من الامل, لا بل إنها أشبه بولادة جديدة بعد ان عانت من مخاضً أليم وطويل لسنوات وسنوات و حان الوقت بأن تباشر برسم ملامح مستقبلها بيدها نحو التجدد والابداع, وما كان حلماً ومعجزةً في الماضي أصبح الآن حقيقة لكن هناك جروحات عميقة خلفها هذا المخاض في المرأة نفسها بحيث تؤثر عليها وتعيق من تطلعاتها وتضعف من عزيمتها, لذلك يجب ان تداوي هذه الجروحات من الداخل وبحذر لكي لا تتأذى و تنكسر من جديد.