لقاء بايدن – بوتين.. هل مازال الحل السوري مؤجلاً؟
أسامة آغي
تتسم العلاقات الأمريكية الروسية في مرحلة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنها سيئة لدرجة التدهور، وقد جاءت قمة جنيف بين رئيسي البلدين في السادس عشر من حزيران كمحاولةٍ لوقف التدهور والبحث عن مربعات تفاهم حول بعض الخلافات بينهما.
لم يَطفُ ملف الصراع السوري على سطح المحادثات إلا في زاوية محددة تتعلق بالمساعدات الأممية، التي يصرّ الروس أنها يجب أن تمرّ عبر نظام دمشق.المحادثات تركّزت على استئناف الحوار حول الحدّ من الأسلحة النووية وحول الحوار بشأن الأمن السيبراني، وتمّ استعراض عملية نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، إضافة إلى الوجود العسكري الغربي قرب حدود روسيا ومسألة دعم المعارضة الروسية.
لقد أظهرت المحادثات بين بايدن وبوتين أن مربع التفاهم حول الحل السياسي في سوريا لا يزال غائباً، وهذا يدلّ على أن الأمريكيين لا يملكون رؤية محددة وواضحة خارج مطلبهم الوحيد “تنفيذ القرار 2254” والذي يعتبر قراراً ملتبساً. الأمريكيون لم يتقدموا بأي مبادرة حيال اللاعب الروسي في الصراع السوري، وهذا يدل على رؤيتهم التي تتمثل بالتمهل الشديد لإجبار الروس على أحد حالين، إما القبول بالشروط الأمريكية للحل من خلال القرار الدولي، وإما إغراق الروس بالوحل السوري أكثر فأكثر.
الأمريكيون لم يتقدموا بأي مبادرة حيال اللاعب الروسي في الصراع السوري، وهذا يدل على رؤيتهم التي تتمثل بالتمهل الشديد لإجبار الروس على أحد حالين، إما القبول بالشروط الأمريكية للحل، وإما إغراق الروس بالوحل السور يإدارة بوتين لا تجد نفسها في موضع من يقدّم مبادرة وسط تتلاقى فيها مع الأمريكيين، لأن ذلك سُيقرأ بالضرورة على أنهم في حالة مأزق في سوريا، وهو أمرٌ يدفع بإدارة بوتين إلى مزيد من تعقيد المشهد السوري، سواء من خلال استدعاء مساري أستانا وسوتشي، أو من دفعهم النظام لإجراء مسرحيته الهزلية “انتخاباته الرئاسية”. لهذا نجد أن المحادثات بين بايدن وبوتين قد ذهبت إلى جزء من المعادلة، وهو الجزء المتعلق بالمساعدات، والذي سيضع العلاقات الغربية والتركية مع روسيا على مفترق طرق جديد. فالغرب يُدرك المسعى الروسي بتمرير هذه المساعدات عبر النظام السوري، لتسويقه كنظام شرعيٍ يحكم البلاد، والغرب يعرف أيضاً ماذا يعني عدم التوافق مع الروس في مجلس الأمن حول إدخال المساعدات، إذ ستكون هناك كارثة إنسانية لا قِبلَ لتركيا أو الغرب بتحمّل نتائجها، مما يجبرهم على إيجاد بدائل لهذه المشكلة دون تقديم أي جائزة ترضية للروس.
الأمريكيون أرادوا رشوة الروس من خلال سحب اعتراضهم على مشروع السيل الشمالي الذي يسمح بنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا قبل جلسات القمة بينهما في جنيف، هذه الرشوة تنتظر مقابلاً روسياً، قد يكون في موافقة الروس على تجديد تقديم المساعدات عبر بوابات حدودية لا يتحكم بها النظام في سوريا.
وفق هذه الرؤية، نستطيع القول إن ملف الصراع السوري لم يغادر مربع عدم التفاهم بين الأمريكيين والروس، وهذا يعني أن الوقت لم يحن بعد لحلٍ سياسيٍ للصراع.الأمريكيون أرادوا رشوة الروس من خلال سحب اعتراضهم على مشروع السيل الشمالي الذي يسمح بنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا قبل القمة بينهما في جنيف، هذه الرشوة تنتظر مقابلاً روسياً، قد يكون في موافقة الروس على تجديد تقديم المساعدات عبر بوابات حدودية لا يتحكم بها النظام ملف الصراع السوري، والذي خرج من أيدي السوريين، نتيجة استدعاء قوى إقليمية ودولية للانخراط فيه، أضعف طرفي الصراع في البلاد، وجعل دورهما في الحل السياسي شيئاً لا قيمة هامة له، فتعنت النظام السوري حيال مفاوضات الحل السياسي، أو جلسات تفاوض اللجنة الدستورية، هو في الحقيقة تعنت روسي إيراني، غايته كسب معركة استثمارهم العسكري والاقتصادي والسياسي في الصراع المذكور.
إن غياب مربع تفاهم أمريكي روسي في سوريا، يؤشر أن هذا التفاهم لم يصبح رئيساً بعد، باعتبار أن الرؤية الاستراتيجية الأمريكية تُبنى على أولوية الصراع القادم مع الصين، في شقيه الاقتصادي والسياسي وربما أوسع من ذلك.إدارة جو بايدن، تنظر إلى ملف حلّ الصراع السوري، باعتباره حلقة من حلّ حلقات الصراع الأخرى في المنطقة، وتحديداً علاقته بالملف الإيراني، ولذلك تمارس سياسة تثبيت الحال عند عتبة تهدئة إطلاق النار في سوريا، وعند مهمة تقديم المساعدات الإنسانية لملايين السوريين، وهي بذلك تمرّر زمناً طويلاً تعتقد أنه يراكم لإجبار روسيا على تقديم تنازلات جوهرية بمسائل عديدة، منها ملف الحل السياسي في سوريا.
لقد حاول فلاديمير بوتين الإيحاء لبايدن بأن النظام السوري يريد “طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة”. بأن يعمل الأسد من خلال الاتفاق مع واشنطن على إجراء إصلاحات سياسية”. لكن ردّ بايدن كان مخيّباً لاقتراحات بوتين، إذ أجاب “أن الأسد خسر ثقة العالم، وفي طليعته الولايات المتحدة، وأن لا واشنطن ولا أي من عواصم العالم مستعدة أن تتعامل مع رئيس قصف مواطنيه بأسلحة كيماوية، وأن التعامل معه لم يعد جائزاً أخلاقياً”.هذا الموقف لبايدن، ينبغي أن يقرأه الروس جيداً، أي عدم المراهنة على إعادة إحياء جثة نظام غارق بجرائم الحرب، وجرائم لا تحصى ضدّ الإنسانية، وهذا يتطلب منهم إعادة إنتاج رؤيتهم بما يتقاطع مع القرار الدولي 2254، واعتبار أن مرحلة نظام آل الأسد قد انتهت.
حاول فلاديمير بوتين الإيحاء لبايدن بأن النظام السوري يريد “طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة”. بأن يعمل الأسد من خلال الاتفاق مع واشنطن على إجراء إصلاحات سياسية”. لكن ردّ بايدن كان مخيّباً لاقتراحات بوتين، إذ أجاب “أن الأسد خسر ثقة العالمالروس والأمريكيون معنيون بالتنسيق والتوافق حول قضايا كثيرة تهمّ العالم، أي تبديل استراتيجية المناكفة حيال بعضهما، والنظر برؤية جديدة إلى قواعد تعاون دولي من أجل إطفاء بؤر التوتر بينهما أو خارجهما، وهذا الأمر ينبغي أن يُبنى على إرساء السلام وتطوير دول الجنوب ووقف التسلح والتهديدات بشن الحروب من أي نوع كان.
سياسة التنسيق والتوافق بين الأمريكيين والروس تحتاج إلى ترجمة مادية في الحل السياسي في سوريا، هذا الحل يمكن التوصل إليه عبر تقاطعاتٍ حول تفاصيل القرار الدولي 2254، فبدون عقد مجموعة عمل بينهما لا يمكن تصوّر حلول تضع النقاط على الحروف بشأن معنى المفردات والمصطلحات والعبارات ودقتها، وبالتالي الوصول إلى خارطة طريق حلٍ ملموسة تلبّي مصالح السوريين بالانتقال من صيغة نظام الدولة الاستبدادية إلى صيغة نظام دولة الحق والقانون والتداول السلمي للسلطة. هذا التنسيق والتوافق يمكن أن نقول عنه إنه في عتبة ما قبل تشكيل مجموعة العمل المعنية بالصراع السوري وحلّه، فهل يمكن أن تنفرج زاوية هذا التوافق والتنسيق، سيما بالنسبة للروس الذين يدركون أن بقاء الوضع الحالي في سوريا ليس في مصلحتهم، وأن لا خيارات أخرى تمكنهم من تغيير قواعد اللعبة الحالية، فهل سنشهد قريباً انفتاحاً أمريكياً روسياً على صيغة حل سياسي وفق قراءة مشتركة للقرار 2254، أم أن الحل السياسي لا يزال مؤجلاً، وقد تطول مرحلة انفراجه؟