محكمة العدل الدولية تلوح في الأفق لأردوغان ورجاله
فضحت “محكمة تركيا” المنظمة الحقوقية التي تعقد جلسات محاكمة رمزية لحكومة حزب العدالة والتنمية، ورئيسها رجب طيب أردوغان فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المعارضين بذريعة دعم محاولة الانقلاب المزعومة في عام 2016.
مراقبون اعتبروا جلسات المحكمة الرمزية قد تقود إلى رفع دعاوى لدى محكمة العدل الدولية.
في ختام جلسات المحاكمة يوم الجمعة، أعلنت هيئة قضاة “محكمة تركيا” عن تقريرهم بشأن انتهاكات حقوق الإنسان الأخيرة في تركيا، مؤكدين أن أعمال التعذيب وعمليات الاختطاف التي ارتكبها مسؤولون أتراك منذ يوليو / تموز 2016 يمكن تصنيفها ضمن “جرائم ضد الإنسانية”.
المحكمة التي يتكون أعضاؤها من قضاة معروفين دوليا، أدانت تركيا بممارسة التعذيب المنهجي وواسع النطاق، وعدم الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بالاختفاء القسري وحرية الصحافة.
أعادت المحكمة للأذهان أن الحكومة التركية طالبت في 22 يوليو 2016 إعفاءها لفترة معينة من معاهدة حظر التعذيب، منوهة بأن مثل هذا الطلب مرفوض لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال.
المحكمة التي أُنشئت بمبادرة من شركة المحاماة البلجيكية “فان ستينبروج أدفوكاتن” (VSA)، في جنيف، وعقدت جلساتها بين 21 و 25 سبتمبر، لفتت في تقريرها الأخير الذي أعلنت عنه يوم الجمعة أن إفلات مرتكبي انتهاكات الحقوق من العقاب بات ممارسة راسخة في نظام العدالة الجنائية في تركيا، وذكرت أن ضحايا انتهاكات الحقوق يصابون بالصدمة بسبب عدم معاقبة الموظفين الذين ينتهكون القانون والدستور.
كما أكدت محكمة تركيا أن التقارير التي تحوزها والشهادات التي أدلى بها الضحايا أمام هيئة القضاة ستكون دليلا واضحًا على اعتبار جرائم الحكومة التركية ضمن فئة “الجرائم ضد الإنسانية”، وأنه في حال تسليمها إلى السلطات القضائية الدولية فإنها قد تصدر أحاكامًا قاسية على المسؤولين الأتراك المتورطين في هذه الجرائم.
وفي السياق ذاته، قال الصحفي والمحلل السياسي المعروف سعيد صفا إن القرارات التي توصلت إليها محكمة تركيا تفتح الباب أمام رفع دعوى لدى “محكمة العدل الدولية” ضد نظام أردوغان.
من جانبها، قالت فرانسواز بارونز تولكنز، رئيسة المحكمة في ختام الجلسات: “مع أن رأي محكمتنا لا يحمل صفة قانونية ملزمة، ولكنه قد يكون بمثابة مصدر يتمتع بسلطة أخلاقية تهدف إلى زيادة الوعي في هذا الصدد”.
وشددت تولكنز على أن المحكمة تلقت روايات موثوقة عن التعذيب، وأن تقارير حالات الاختطاف الموجودة حاليا أمام قضاة محكمة تركيا ترقى إلى الاختفاء القسري.
وفيما يتعلق بحرية الصحافة، قالت تولكينز إن المحكمة رصدت محنة الصحفيين المسجونين والعنف الجسدي والنفسي المتكرر الذي يتعرضون له، مشيرًا إلى أن سلوك تركيا لا يفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لضمان تحقيق العدالة للمواطنين.
وأوضحت أن سفير تركيا لدى بلجيكا قال لهم عندما شرعوا في إنشاء هذه المحكمة قبل نحو سنتين إنه لا داعي لذلك، متذرعًا بأن هذه الفترة (غير العادية) في تركيا ستنتهي قريبا، وأضافت: “غير أننا أعلنا أننا لن نتراجع عن إنشاء هذه المحكمة مهما كان الأمر، مما دفع السفير إلى اتخاذ خطوات لمنع هذه المحكمة، بما فيها ممارسة الضغوط على إدارة الفندق الذي استضافنا خلال هذا الأسبوع”.
كما لفتت تولكينز إلى أن حضور الضحايا والشهود إلى المحكمة خطوة مهمة للغاية من حيث إنه سيحطم جدار الخوف، وسيدفع الآخرين الذين يبلغ عددهم الآلاف إلى الخروج عن صمتهم والكشف عما تعرضوا لهم من انتهاكات.
في حين كشف يوهان فاندي لانوت، أستاذ القانون في جامعة غينت البلجيكية، عن سبب إنشاء هذه المحكمة قائلا: “إن عدم فعالية الأساليب التقليدية لتقييم انتهاكات الحقوق في تركيا والحكم عليها كما يتطلبها القانون، دفعنا إلى طرح فكرة إنشاء هذه المحكمة”.
وذكر لانوت أن قرارات هيئات الأمم المتحدة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي وأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لم تسفر عن تغيير إيجابي فيما يتعلق بسلوك السلطات التركية.
ثم أضاف بقوله: “لقد نظرنا في محاكم شعبية عقدت في الماضي. كان القضاة في تلك المحاكم نشطاء سبق أن عملوا بالفعل في المسألة التي يتعين عليهم اتخاذ قرار بشأنها. لذا أردنا إنشاء محكمة ونختار قضاة لا علاقة لهم بالموضوع بشكل مباشر حتى لا يتأثر قرارهم بمصالحهم الشخصية”.
خلال جلسات المحكمة هذا الأسبوع، استمع القضاة إلى محمد ألب، المعلم الذي تعرض للاختطاف والتعذيب بشكل متكرر من قبل قوات الأمن التركية؛ وأرهان دوغان، المدرس الآخر الذي تعرض للتعذيب أيضًا في مركز الشرطة؛ ومصطفى أوزبن، الذي اختطفته المخابرات التركية، وأرين كسكين، الناشطة في مجال حقوق الإنسان التي تم اعتقالها وسجنها بسبب دعوتها إلى العدل؛ ومسعود قاشماز الذي اختطفته المخابرات التركية من الأراضي الباكستانية.
استمع القضاة أيضًا إلى تولاي أجيكولو، أرملة جوكهان أجيكولو، مدرس التاريخ البالغ من العمر 42 عامًا، والذي توفي بعد 13 يومًا من التعذيب وسوء المعاملة في حجز الشرطة عام 2016؛ وأركان كوركوت، شقيق كمال كركوت، الطالب الكردي الذي يبلغ من العمر 23 عامًا وقُتل على أيدي ضباط الشرطة في عام 2017؛ وسيزين أوكار، محامي جوكهان غونيش، الذي اختطفه أشخاص عرّفوا أنفسهم بأنهم ضباط شرطة في يناير العام الجاري.
وكان من بين الشهود صحفيون يعيشون في المنفى من أمثال الصحفي الاستقصائي المعروف جيفري جوفين وميلتم أوكتاي، ومصمم الأزياء الشهير بارباروس شانسال، والسياسي الكردي فيصل سارييلديز، والمدعي العام السابق حسن دورسون، والقاضي السابق سليمان بوز أوغلو.
وقدم العديد من خبراء وممثلي منظمات حقوق الإنسان البارزين تقارير إلى محكمة تركيا، من بينهم الأمين العام السابق للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إريك سوتاس (سويسرا)، بالتعاون مع الأستاذ الدكتور جوهان فاندي لانوت؛ والأستاذ في جامعة غينت إيف هيك (بلجيكا)، والمحامي أمره توركوت من نقابة المحامين في أنقرة (تركيا)، ومحامي حقوق الإنسان يوهان هيمانز؛ والرئيس السابق للاتحاد الدولي للصحفيين فيليب ليروث (بلجيكا).
وكان من بين مراقبي المحكمة السياسية البلجيكية ورئيسة لجنة البرلمان الأوروبي الفرعية لحقوق الإنسان ماري أرينا؛ والسياسية البلجيكية الأخرى والعضو في البرلمان الأوروبي (MEP) كاثلين فان بريمبت؛ ورئيس منظمة القضاة الأوروبيين من أجل الديمقراطية والحريات (MEDEL) فيليبي ماركيز.