أردوغان وبوتين وقمة الأبواب المغلقة والصفقات المحتملة…
مقال تحليلي/ هاوار
خلف الأبواب المغلقة، أجرى الرئيس الروسي ونظيره التركي اجتماعًا وصفه المحللون بالمهم، فيما قال أحد المقربين من الكرملين إن بوتين قد يعترف بالسيادة التركية على شمال قبرص مقابل اعتراف أردوغان بسيادة روسيا على القرم.
التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي أواخر الشهر الماضي. وعقب الاجتماع، خرج الزعيمان عن ممارساتهما المعتادة المتمثلة في عقد مؤتمر مشترك أو الإدلاء ببيانات لوسائل الإعلام. كان كل من أردوغان وبوتين قد أعطيا إشارات مسبقة أن الاجتماع سيعقد بالكامل على انفراد. وأشار هذا الإشعار المسبق بوضوح إلى أن محتوى المناقشة سيتضمن مواضيع لا يريدون مشاركتها مع الجمهور، بحسب تحليل لصحيفة العرب نيوز السعودية.
كان هناك الكثير من التكهنات حول ما قد يكون قد تم مناقشته خلال الجلسة المغلقة. وهي تشمل مواضيع مثل شراء تركيا لنظام دفاع جوي جديد من طراز S-400 من روسيا، وبناء محطتين إضافيتين للطاقة النووية، والتعاون في صناعة الدفاع والطائرات الحربية والغواصات وصناعة الفضاء، والعديد من الموضوعات الأخرى.
لا يلزم مناقشة هذه الموضوعات خلف الأبواب المغلقة، بل على العكس من ذلك، يجب الإعلان عنها من أجل إظهار مستوى التعاون بين البلدين.
والسبب الأكثر ترجيحًا للسرية هو الاتفاق على التطورات الحرجة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، حيث صعّدت قوات حكومة دمشق من هجماتها على مرتزقة هيئة تحرير الشام. تركيا لديها أكثر من 30 مفرزة عسكرية منتشرة في نقاط مختلفة حول هذه المحافظة. المجموعات المرتزقة الراديكالية تستقر في مناطق قريبة من هذه المفارز التركية لأنها تعتقد أن قوات حكومة دمشق تريد تجنب المواجهة غير الضرورية مع الجيش التركي. لكن هذا يعرض الوجود التركي لمخاطر وقتل ثلاثة من جنوده الشهر الماضي.
وبحسب تحليل الصحيفة، فإن السبب الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا ووجودها العسكري في إدلب هو ضرب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، كما تميل روسيا بدورها إلى التسامح مع هذا الوجود العسكري التركي في سوريا بشكل مؤقت.
وتم التوصل إلى اتفاق عام 2018 في العاصمة الكازاخستانية أستانا (التي أعيدت تسميتها الآن إلى نور سلطان) بين تركيا وروسيا وإيران، ما أدى إلى وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة لفض الاشتباك في إدلب. فشلت كل من تركيا وروسيا في واجباتهما المتعلقة بعدم التضارب إلى حد ما. أثبتت أنقرة أنها بطيئة للغاية في نزع سلاح المرتزقة المتطرفين، بينما هاجمت موسكو المجموعات المرتزقة الموالية لتركيا دون أن تولي اهتمامًا كبيرًا لحقيقة إصابة المدنيين أيضًا.
في طريق عودته من سوتشي، قال أردوغان للصحفيين إن تركيا لا تزال ملتزمة بكل قرار يتم اتخاذه مع روسيا بشأن سوريا وأنه لا يوجد تراجع. في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي إن “هذه الجماعات الإرهابية يجب إخراجها من إدلب بأي شكل من الأشكال، وكلما تم ذلك مبكرًا، كان ذلك أفضل”. بما أن كلا الجانبين يدعي أنهما أوفيا بوعودهما، فهذا يعني أنه لا يوجد اتفاق كامل.
جاء البيان الرئيس حول القمة من ألكسندر دوغين، المستشار المقرب لبوتين وأحد كبار الخبراء الروس في الجغرافيا السياسية. في اليوم التالي للقمة، أدلى بتصريح جذب انتباهًا أكثر من الاجتماع نفسه. وقال إن الزعيمين يرسمان خريطة طريق جديدة للمنطقة. وأضاف إن أردوغان يتفهم أهمية شبه جزيرة القرم بالنسبة لروسيا، ولاحظ بوتين الأهمية التي توليها تركيا لحل المشكلة القبرصية. ولمح إلى أنه إذا غيّرت تركيا موقفها بشأن شبه جزيرة القرم، فقد تعترف روسيا بالسيادة التركية على شمال قبرص.
لا تسمح تقاليد الدولة الروسية بسهولة لأي مستشار رئاسي بالإفصاح عن رأيه الشخصي دون توضيحه أولًا لدوائر القرار الروسي. لذلك، إذا عبّر دوغين عن وجهات نظر بوتين بهذا البيان، فقد تكون خطوة جديدة للمنطقة.
تؤيد تركيا بقوة حل الدولتين في قبرص، حيث تسيطر الحكومة المدعومة من أنقرة على شمال الجزيرة. إذا تم دعم هذا الحل من قبل روسيا، فقد يفتح الطريق أمام اعتراف دول أخرى بشمال قبرص. على العكس من ذلك، إذا دعمت موسكو إعادة توحيد الجزيرة، فإن قبرص الموحدة ستصبح تلقائيًّا عضوًا في الاتحاد الأوروبي وربما عضوًا في الناتو على المدى الطويل.
إذا تم التفاوض على مثل هذه الصفقة في الواقع خلال قمة أردوغان وبوتين، فسيكون لها تداعيات بعيدة المدى على السياسة الداخلية لتركيا. في ضوء الانخفاض المستمر في الدعم السياسي لأردوغان، يمكن أن تؤدي مثل هذه الصفقة إلى زيادة كبيرة لصالحه.
بسبب سرية القمة، لا نعرف ما إذا كان قد تم اتخاذ أي قرارات بشأن إدلب أو قبرص، أو حتى كليهما. إذا كان الأمر كذلك، فهو بالتأكيد يستحق مثل هذه السرية، لأن هذه التحركات يمكن أن تعيد رسم الخريطة الجيوستراتيجية للبحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.