طبول الحرب تقرع على ضفاف الفرات السوري بين أنقرة والأكراد
اندبندنت عربية – مصطفى رستم
يُنتظر أن تضع المشاورات الأمنية والسياسية بين تركيا والولايات المتحدة وروسيا وما ستفضي إليه، حداً فاصلاً من شأنه فرملة نيّة أنقرة الضغط على زناد بدء عملية عسكرية وشيكة باتجاه مناطق غرب الفرات خاضعة للوحدات الكردية المقاتلة، تحت ذرائع خطر يتربّص بها ويتاخم حدودها الجنوبية، وبمسعى لا يتوقف إلا عند تأمين منطقة عازلة.
حلقة جديدة من التوغل التركي
وعلى غرار عملية “نبع السلام” الهجومية التي شنّتها تركيا عام 2019 وما أسفرت عنه من قضم مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا، يُعدّ الأتراك العدة اليوم لإطلاق معركة واسعة النطاق. وبحسب المعلومات الواردة، فإن أرتالاً من العربات والآليات المصفحة تتدفق وسط حراك لفرق المشاة، وإعلان رفع الجاهزية إلى أقصى حدودها من قبل الفصائل السورية المعارضة المدعومة تركياً ووضعها في حالة تأهب.
ورجّح الباحث السياسي التركي فراس رضوان أوغلو أن “إقدام أنقرة على شن عملية عسكرية بات أمراً وارداً جداً بعد الدعم اللامحدود وتنامي قوة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، علاوةً على إصرار الولايات المتحدة الأميركية على إبقاء دعمها اللامحدود للقوات الكردية، الأمر الذي يثير حفيظة تركيا”. وأضاف رضوان أوغلو “يُعتقد أن أنقرة تريد أن ترى غرب الفرات خالياً تماماً من أي تهديدات محتملة من القوى الكردية، ومن جانب ثانٍ تهدف إلى الحفاظ على قوتها ودعمها لذراعها السورية من قوى المعارضة لإبقائها قوية في حال الوصول إلى أي حل سياسي، وهذه من الأمور المهمة في القراءة السياسية الراهنة للاستراتيجية في سوريا. في المقابل، لا تطور إيجابي بين الجانبين التركي والأميركي، والدليل هو تجديد واشنطن عقوبات تستهدف أنقرة لعام إضافي بعدما شنت عملية نبع السلام”.
اشتباك المصالح والأطراف الدولية
وأعطى إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “نفاد صبره” في خطاب ألقاه قبل أيام، إشارة واضحة إلى حرب ستشنّها بلاده على معاقل حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه “إرهابياً”، إذ تعتبر أنقرة أن كل الفصائل الكردية حتى تلك التي لا تندرج ضمن إطار “حزب العمال الكردستاني”، تصب في خانته مهما تغيّرت التسمية.
كما يرى مراقبون أن التسوية السياسية لن تكون يسيرة بل معقّدة بالقدر الكافي للدفع باتجاه تدخّل أطراف دولية واشتباك المصالح الإقليمية في هذه البقعة الاستراتيجية والغنية بالموارد الطبيعية والنفطية، إضافة إلى حضور ممتد لقوات أجنبية في شمال شرقي سوريا، حيث تنتشر الجيوش التركية والإيرانية والأميركية وقوى التحالف الدولي، ناهيك عن ظهور خلايا لتنظيم “داعش” في البادية وقوات “قسد”.
ولعل الأيام المقبلة حرجة وحاسمة بالنسبة إلى قوات حماية الشعب الكردية، في ظل مواصلتها الرهان على دعم الولايات المتحدة، حليفتها في الحرب ضد “داعش”، وعلى الرغم من كل التوجس الذي يعيشه الأكراد عقب تخلّي أميركا عن حلفاء لها في أفغانستان، الأمر الذي أدى إلى سيطرة حركة “طالبان” على الحكم خلال الساعات الأولى لانسحاب قواتها من كابول.
ويضع كبار قادة الجيش التركي واستخباراته العسكرية اللمسات الأخيرة للمعركة المقبلة، لكن تأجيلها إلى موعد لاحق مسألة تتعلق بالمشاورات المرتقبة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والتركي أردوغان، على هامش قمة العشرين في إيطاليا نهاية الشهر الحالي.
سخونة الأجواء السورية
وتعيش ضفاف الفرات السوري اليوم، حالة تسخين وتأهب من كل الأطراف، وفي مقدمتها قوات حماية الشعب الكردية التي تعزز مواقعها الدفاعية في مناطق منبج وعين عيسى وتل رفعت وعين العرب وتل تمر.
في المقابل، تتحضر فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا وتطلق على نفسها تسمية “الجيش الوطني”، للمشاركة في هذه العملية التي باتت خياراً مرجحاً بعد إعلانها عن سلسلة هجمات (22) شنتها “قسد” بالقذائف الصاروخية على المناطق التي شملتها عمليتا “غصن الزيتون” و”درع الفرات”، بينما لا تزال القوات التركية تستقدم أرتالاً عسكرية من فرق المشاة.
من جانب آخر، استنكرت “قسد” التصعيد التركي الأخير والقصف الصاروخي الذي أزهق أرواح مدنيين. وجاء في بيان لـها بتاريخ 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أن “الجيش التركي خرق اتفاق خفض التصعيد خلال سبتمبر (أيلول) الماضي لوحده، في عين عيسى وتل تمر، أكثر من 194 مرة، وأطلق 1067 قذيفة هاون ومدفعية، تسببت بمصرع خمسة مدنيين”.
وبحسب المعلومات الواردة، أبلغت “قسد” الضامن الروسي بانتهاكات عدة ارتكبتها القوات التركية من بينها قصف الريف الشرقي لناحية عين عيسى، التي تُعدّ من أبرز معاقل قيادتها، وكذلك قصفها لطريق “أم 4” بالسلاح الثقيل.
ما علاقة المناوشات بالانتخابات التركية المقبلة؟
في السياق، أشار الباحث السياسي التركي إلى “نجاح دمشق الواضح في عملها الدبلوماسي مع موسكو وكان آخرها فتح الحدود مع الأردن، بينما لا تمتلك قسد نهجاً سياسياً واضحاً”.
وأردف في قراءته للمشهد الداخلي في تركيا، “بلا شك إن ضربات قسد تتجه نحو التأثير المباشر في الانتخابات التركية المقبلة وفي حال سقوط قذائف على الداخل التركي أو استهداف جنود أو أمنيين ومدنيين أتراك، فإن ذلك سيسبب خللاً واختراقاً ليس في وقته، وربما تغيّر العملية العسكرية المتوقعة الوضع إلى حد ما، لكن لا بد من الحرص في حال الإقدام على خوض تلك المعركة، على عدم سقوط جنود أتراك”.
وتوقع رضوان أوغلو أن تكون العملية “ضخمة ومحسوبة الخطوات والنتائج”، لافتاً إلى أن “المعلومات الأولية ترجح نجاحاً كبيراً وكاسحاً لأن الهجوم سيكون بزخم وبقوة كبيرين، عبر زج قوات النخبة”. وتابع “بالتأكيد هناك تفاهمات مع الولايات المتحدة واضحة المعالم حالياً، لكن من الممكن بروز تفاهمات جديدة بعد التقدم التركي المرتقب، كما حصل في عملية نبع السلام، حتى إن لم يرغب الأميركيون بذلك ولكنه بات أمراً واقعاً وفق ما تريده أنقرة”.
واستبعد رضوان أوغلو اندلاع صدام “تركي – أميركي” أو “تركي – روسي”، إذ إن “تفاهمات ستسبق المعركة أو ستتضح معالمها بعد إنهاء العملية. أما في حال انزعاج واشنطن من هذه العملية، فستكتفي بالخروج ببعض العقوبات البسيطة على أنقرة”.
ADARPRESS #