تقوم قوات الاحتلال التركي منذ أيام بحشد قواتها العسكرية، على الشريط الحدودي الفاصل بينها وبين مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا، وجاءت هذه التعزيزات بعد تصريحات أردوغان، وتوعده بتنفيذ عملية عسكرية جديدة، لذلك فهل الظروف الحالية تسمح بتنفيذ شن هجماته بوجود التحالف الأميركي الداعم لقوات سوريا الديمقراطية، وكامل جاهزيته للرد، دفاعا عن حقه في الرد، وماذا عن الموقف الروسي، خاصة وبأنه يساند النظام السوري في استهداف منطقة خفض التصعيد.
للإجابة حول كل هذه التساؤولات، تحدث لموقع “آداربرس” الكاتب والباحث والسياسي الكردي، بير رستم، قائلا:” بالرغم من أن الأجواء هذه الأيام تشبه تلك الأجواء التي كانت تسبق العمليات العسكرية للجيش التركي على مناطق الإدارة الذاتية، إلا إن الظروف الدولية ليست بتلك التي كانت تسبق العمليات العسكرية السابقة حيث اليوم هناك إدارة أمريكية جديدة لا توافق على سياسات أردوغان تماماً، كما كان تفعلها إدارة ترامب، رغم أن مصالح أمريكا لا تختلف باختلاف الإدارات، لكن البرنامج السياسي الذي أوصل بايدن لسدة الرئاسة من جهة ومن الجهة الأخرى تبعات خروج القوات الأمريكية من أفغانستان وحساسية الموضوع وما قد يشكل من ردود أفعال لدى الشارع الأمريكي لو ترك “قسد” -وهو الحليف الأهم لمحاربة “داعش” في سوريا- لقمة سائغة لأردوغان، بالإضافة إلى تفاهم روسي أمريكي حول سوريا، سوف تكون عوائق حقيقية رادعة لأي عمل عسكري تركي ضد قوات سوريا الديمقراطية، بل واعتقد بأن ان الروس أنفسهم سيمنعون هكذا عدوان في ظل تفاهمهم الأخير مع “قسد”، لكن يبقى الخطر من عدوان جديد -ولو محدود- قائم دائماً وذلك لإعطاء بعض الدعم المعنوي لأردوغان والمعارضة السورية الخاضعة لها أو ربما هو نوع من الضغط على الإدارة الأمريكية وتحسين وضعها في اللقاء المرتقب بين بايدن وأردوغان.. بكل الأحوال ما زالت أجواء الحرب تخيّم على عموم الشمال السوري وللأسف”.
أردف:” بعد أن رأينا الزخم العسكري التركي في مناطق ما تسمى بوتين – أردوغان أو “خفض التصعيد” والعمليات العسكرية بين عدد من الفصائل والميليشيات الإسلامية الراديكالية، أو بالأحرى تلك الأعمال القتالية التي تقوم بها هيئة تحرير الشام -“جبهة النصرة” سابقاً- ضد تلك المجاميع الراديكالية من جهة ومن الجهة الأخرى تصعيد النظام السوري بدعم من الحليفين الروسي والإيراني من ضرباته الصاروخية والمدفعية على مواقع الميليشيات الخاضعة لتركيا بحيث دفعت بالأخيرة إلى إرسال المزيد من الجنود والأعتدة لمحافظة إدلب، فهذه التحركات كلها تشير؛ بأن المسائل ليست كما تروج لها الإعلام التركي أو القريب منه من قوى إسلامية وفي المقدمة إعلام جماعة الإخوان وبأن تركيا قد حضّرت بحدود (٣٥ ألف) خمسة وثلاثون ألف من قواته مع ما يسمى بالجيش الوطني السوري للهجوم على مناطق الإدارة الذاتية، وإنما الأمر يتعلق بخوف تركي إخواني من هجوم لقوات النظام السوري وإقتطاع أجزاء أخرى من المعارضة السورية وبالتالي إضعاف موقف الأخير في اللجنة الدستورية والتي هي الأخرى شهدت انتكاسة في جلستها الأخيرة.. وهكذا فإن كل المؤشرات بخصوص حشد القوات التركية والميليشيات الإسلامية، تؤكد على تخوف تركي ومعها المعارضة السورية المحسوبة عليها، من هجوم لمحور النظام على مناطقها، لكن وفي ظل هذه التراجعات والخسارات التركية -داخلياً وخارجياً- ربما يطلب إردوغان ولو بعملية محدودة في مناطق قسد وذلك فقط للحفاظ على بعض “ماء الوجه” أمام جمهوره وكذلك أمام المعارضة الإخوانية، لكن لا نعتقد أن ينال “الضوء الأخضر” الروسي حيث لا مصلحة للروس في تقوية المعارضة ونفوذ أردوغان في الشمال السوري وخاصةً في ظل أجواء التفاهمات مع الأمريكان وكذلك مع قوات سوريا الديمقراطية والتي وصفت من قبل العديد، بأن العلاقة بين الجانبين في أفضل حالاتها ولا يستبعد أن تتكلل بنوع من الحوار بين الإدارة الذاتية والنظام السوري”.
اختتم حديثه، الباحث السياسي الكردي، بير رستم قائلا :” بأن تركيا مع الوقت ستخسر المزيد من النفوذ في سوريا، كما خسرت في العديد من الدول العربية بدءً بمصر مع انقلاب العسكر؛ السيسي على حكومة مرسي الإخوانية والتي كانت مدعومة من تركيا وصولاً للانقلاب الأخير بالسودان، ناهيكم عن خسائرها الاقتصادية والديبلوماسية مع عدد من دول الخليج وعلى رأسها العلاقة مع السعوديين، بالإضافة إلى خسائرها السياسية والمالية في الداخل بحيث يمكن أن تكون الانتخابات القادمة (٢٠٢٣) نهاية لمرحلة سياسية للتيار الإسلامي في تركيا والذي كان يأمل الغرب الأمريكي الأوربي، بأن يجعله نموذجاً سياسياً إسلامياً معتدلاً وبديلاً لحكم العسكر وديكتاتوريات الشرق، لكن وللأسف الغلو في التشدد الديني لدى بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية وكذلك الغرور والعنجهية الشخصية لأردوغان ولجماعات الإخوان المسلمين عموماً وعلى رأسهم حزب العدالة؛ بأن الظروف باتت سانحة ومؤاتية لإعادة الخلافة وذلك من خلال ما سماه أردوغان بمشروع “العثمنة الجديدة”، جعل الغرب يعيد حساباته ويتحسس من سياسات تركيا وركوبها موجة الثورات العربية ومحاولات وضع الإخوان على رأس حكومة هذه البلدان بحيث أشعرت الغرب بالخطر الإسلامي القادم وأعاد للأذهان حروب الدولة الإسلامية وبالأخص في الفترة العثمانية ضد بلدانهم وشعوبهم، فكانت بداية التصدي للمشروع السياسي الإسلامي وإسقاطه بدايةً من مصر وذلك على طريقة إسقاط أحجار الدومينو وقد لا تكون سوريا آخر تلك الأحجار، بل تركيا نفسها بحيث تذهب معها حكومة العدالة والتنمية، كون ما تحمله تلك الحكومة من أوزار وقضايا، جعلت نفسها طرفاً أو سبباً بها، يستحيل أن تتم تسويتها بوجود تلك الحكومة وبالتالي لا بد من حكومة تركية جديدة بأجندات وقوى جديدة ليكون هناك أفق للحلول السياسية لتلك القضايا والمشاكل؛ بدءً من تصحيح العلاقة مع أمريكا والناتو وصولاً للملفات الإقليمية وعلى رأسه الملف السوري ومروراً على الملفات التركية الداخلية الاقتصادية والسياسية وطبعاً القضية الكردية ضمناً وقد رأينا مؤخراً تداولاً إعلامياً كبيراً للملف الكردي، إن كان من قبل المعارضة التركية أو حكومة العدالة نفسها، فهل سيكون بمقدور أردوغان أن ينقذ نفسه مرة أخرى وهو الذي بات منهكاً تماماً”.
آداربرس/ خاص