أطلقت الحكومة السورية وبالتعاون مع حليفها الروسي، عدد من عمليات التسوية في مختلف المناطق من سوريا، وحاليا يتم تنفيذ عمليات التسوية، وتحت مسميات عدة في دير الزور، ولمعرفة إبعاد ذلك، والغاية الحقيقية من ورائها، تحدث لموقع “آداربرس ” الباحث والأكاديمي السوري المعارض، الدكتور خالد شاكر محمد بهذا الخصوص.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
السؤال الأول: أطلقت الحكومة السورية عمليات التسوية بحماية روسية ووجهاء أعيان في عدة مناطق سورية، برأيك في ظل التناقضات التي تعيشها سوريا هل ستنجح هذه العمليات، وهل بالفعل تضمن الحكومة السورية حقوق كل من خضع لعمليات التسوية؟
بداية، مصطلح عمليات التسوية ظهر مع التسويات الكبرى التي اشتغل عليها اتفاق أستانا منذ ٢٠١٧ والتي انخرطت بها فصائل المعارضة الرسمية من خلال ماعرف بمحادثات أستانا، التي رعهتا الدول الثلاث تركيا إيران روسيا، والتي ضمت ممثلي الفصائل المسلحة التابعة لتركيا، و الحكومة المؤقتة والائتلاف وبحضور شخصيات سياسية وعسكرية من هذه القوى جلست مع النظام والإيرانيين في أستانا. وبالتالي فإن عمليات التسوية جاءت كتفاهمات روسية – تركية – إيرانية. أما النوع الثاني أو المرحلة الثانية فكان نتيجة هذه التفاهمات الكبيرة والتي شملت القوى التي رفضت حينها التسويات ومع الوقت تحولت إلى تسويات برعاية روسية بين هذه القوى والنظام والإيرانيين كما حصل في درعا.
أما بالنسبة إلى مدى نجاح هذه التسويات فهي تصب في مصلحة طرف واحد هو النظام داخل مناطقه، وهو وإن تمكن من التسوية في جميع مناطقه إلا أنه- أي النظام- أصبح اليوم شريكاً ثالثاً في تقاسم سورية، حيث يتساوى مع منافسيه في الشمال وشمال وشرق سورية، إذ مازالت هذه المناطق التي مازالت بعيدة كل البعد عن ماهية التسويات الجارية كونها مرتبطة ارتباطاً بنيوياً بالفواعل الدولية والإقليمية المولجة بالصراع السوري، ولنكن صريحين بأن جميع هذه المناطق – بمن فيها مناطق النظام- أصبحت أشبه بالفيدرليات المشوهة، كون المناطق السورية الثلاث لها جيشه الخاص، وأعلامها الخاصة، وعلاقاتها الدبلوماسية الخاصة، وحدودها الخاصة، مع غياب دستور واحد يجمعها، وهذه أخطر مايواجه الوطن السوري اليوم. ولهذا ومع غياب الحل السياسي منذ عشر سنوات، مازالت القوى المحلية السورية – نظاماً ومعارضة رسمية- تدور في لعبة تقاسم الخسائر، بدون أية استراتيجية، عدا الاستفادة من عامل الوقت، الذي أسقط الوطن السوري في أتون كوارث سياسية و إنسانية ومجتمعية.
السؤال الثاني:إلى أين ستصل بهذه العمليات ولماذا اختارت هذا التوقيت لهذه العمليات؟
الحقيقة أن إنجاز هذه التسويات يبدو معتمداً على الأوضاع المزرية للسوريين، في بلد ينخر به الوباء والجوع الذي أصبح يطال كل السوريين، عدا وجود مايقارب ١٣ مليون سوري بين نازح ولاجئ، ولا أدري أية تسوية تحل مشكلة هؤلاء، لذلك فالموضوع أعقد بكثير من تسويات محلية، بقدر نحتاج إلى عملية سياسية، وبما أن التفاهمات بين السوريين أصبحت ضرباً من المحال، تصبح التفاهمات الدولية بدءاَ من التفاهم بين الأمريكان والروس، مقدمة للسير في سكة الحل السياسي عبر القرار ٢٢٥٤، الذي نص في مادته الرابعة – وبشكل واضح- على تراتبية الحل السياسي بدءاَ من تشكيل جسم انتقالي، فدستور ، فانتخابات، وفي إطار عملية سياسية تشمل الجميع، وتؤسس لحوكمة ذات مصداقية شاملة وغير طائفية. وبالتالي تمثيل كل المكونات السورية بدون استثناء، كما حتمية شمول هذه العملية جميع المناطق السورية وعدم اقتصار العملية السياسية على المعارضة الرسمية التي شكلتها الدول ( ائتلاف، هيئة تفاوض، لجنة دستورية) التي مازالت تدور حول نفسها.
السؤال الثالث: برأيك بأي من المناطق الأخرى ستجري عمليات التسوية بعد درعا، خصوصاً مع الحديث عن تسويات ستجري في ديرالزور ؟
أعتقد بالنسبة لدير الزور وكامل مناطق غرب الفرات سيكون من الصعوبة بمكان إجراء تسويات بهذه السهولة، بسبب الكثير من المعضلات، وهنا لابد أن أشكركم على التركيز على دير الزور كونها من المدن السورية التي تم تهميشها إعلامياً من قبل النظام والمعارضة على حد سواء، لذلك بالنسبة لدير الزور، أعتقد أن هناك نوعاً من الاستحالة – وأنا أبن المنطقة وأدرك سيكولوجية ومعاناة الناس هناك- لذلك لا أعتقد بنجاح التسويات في دير الزور، لأسباب كثيرة أذكر منها أن محافظة دير الزور هي المحافظة الوحيد التي تم تدميرها بالكامل تقريباً ، كما أن ريفها الغربي الذي يشكل ٩٠ % من سكان المحافظة يكاد يكون فارغاً من الناس، فمدينتي الميادين والبوكمال مازالتا بدون سكان وهي مناطق مازالت بيوت مُهجريها تصفر فيها الريح، حيث تشهد دير الزور أكبر عملية تهجير قسري في تاريخ الصراع السوري، ومازالت مدينة الميادين التي تشكل المركز الإداري والاقتصادي للريف الشرقي لدير الزور مدينة شبه خالية من سكانها، وما عقد الأمور أكثر فأكثر هو سيطرة المليشيات الطائفية على هذه المناطق، ومحاولتها العمل على تشييع المنطقة وتفكيك نسيجها الاجتماعي، حيث تعمل المليشيات الطائفية الإيرانية هناك – عبر قواها الناعمة- لثقافات غريبة عن مجتمعاتنا، وتنتشر صور القادة الإيرانيين في حالة جديدة وغريبة عن ثقافة مجتمع دير الزور، ولهذا تبدو عودة الأهالي في ظل هكذا أوضاع أمراً مستحيلاً، وبالتالي فإن دير الزور ستبقى عصية على نجاح أية تسوية حقيقية.
السؤال الرابع : ما الحل برأيكم؟.
الحل كما عرجت من قبل وهو العمل على تسوية تبدأ من مندرجات وتراتبية القرار ٢٢٥٤ بتشكيل جسم انتقالي، وإذا تعذر ذلك فعلى النظام أن يخطو خطوات أكثر جرأة لإنقاذ الوطن السوري، بالعمل على إيجاد آلية دستورية تضمن عدم تدخل السلطة الأمنية في المناطق التي يريد لها أن تعود إلى الجغرافية والسيادة السورية، وذلك عبر تطبيق اللامركزية التشاركية كمستوى حكم لنظام ديمقراطي، وبالتالي العمل على عدم تركيز السلطة في المركز من خلال آلية متجاوبة وفعالة مع المركز، بما يضمن عودة الناس طوعاً وبدون خوف، وبطريقة تؤمن لهم مشاركتهم في بناء بلدهم، بحيث يتمكن الأهالي من إدارة أنفسهم بأنفسهم ، وهي آلية دستورية تقوم على فكرة سلطة الشعب في المناطق المستمد دستورياَ من مبدأ سيادة الشعب، وهي آلية ليست اختراعاً للبارود، و تعمل بها كل دول العالم الديمقراطي المتقدم، وهي وإن أصبحت واقعاً في كل دول الديمقراطيات المعاصرة، إلا أنها أصبحت ضرورة في مراحل ما بعد الصراع، هكذا خطوات ربما تكون المقدمة لإنجاز التسوية السورية الكبرى.
آداربرس/ خاص