برسم سلطة دمشق
محمد أمين عليكو
دعوات الحوار للإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا لسلطة دمشق تكاد تكون شبه يومية، بالطبع هذا دليل على أن الإدارة متمسكة بالحوار وبأن الحل في سوريا يبدأ من دمشق، وبأن الإدارة الذاتية هي جزء لا يتجزأ من الخارطة السورية بشكلٍ عام.
قيادات الإدارة الذاتية جميعهم يؤكدون على مبدأ الحوار في حل القضايا السورية، من جهته الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بدران جيا كرد يقول ” الواقع السوري بحاجة إلى قراءة موضوعية وجديدة وشاملة ولا يمكن التفكير بالعودة إلى ما قبل 2011 حين كانت هناك قضايا سياسية جذرية تعانيها سوريا “، ومن جهتها أكدت رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية السيدة الهام أحمد على أن ” الحوار بين السوريين هو استراتيجيتنا منذ البداية وهو الطريق الوحيد للحل النهائي في سوريا “.
وجاءت تصريحات ” عضو هيئة الرئاسة في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD السيد الدار خليل ” نحن نفكر في صيغة أخرى، لا بد أن يكون الحل مع النظام ولكن ليس في جنيف بل في دمشق ، ما المانع أن نجلس ونتحاور كسوريين ونطرح الحلول الممكنة للتوصل إلى صيغة حل لعموم القضايا في سوريا “.
بهذه الرؤى الموضوعية تحاول الإدارة الذاتية وضع مقدمات للحل على أساس ديمقراطية وتضعها على طاولة السلطة في دمشق. لكن في المقابل لو قارنا هذه التصاريح بتصريحات سلطة دمشق ومسؤوليها لوجدنا العكس تماماً وكأن دمشق تتحدث بلسان أنقرة تجاه سوريا والشعب السوري وخاصة تجاه شمال وشرق سوريا. تصريحات المقداد وشعبان وغيرهم من المتشدقين لا تخدم أحد سوا العدو التركي وتنظيماته الإرهابية وينعكس مدى قصر رؤيتهم وضيق تفكيرهم حول مستقبل سوريا والشعب السوري في التعايش المشترك. وهذه مؤشرات واضحة بأن السلطة السورية لاتزال تتوهم و تبني أحلامها من نتائج انتصاراتها المصالحاتية التي حققها الروس خلال السنوات الماضية، بالطبع القضاء على التنظيمات الإرهابية التكفيرية المرتبطة بتركيا واجب وطني على كل السوريين، وهذا جانب مهم تحققت بفضل دماء آلاف الشهداء. لذا لا يمكن الاستناد على مثل هذه التصريحات الكيدية من جانب مسؤولين يعيشون في وهم وبعيدين كل البعد عن الواقع السوري، ولو وضعنا هذه الهجمات اللفظية التي تعبر عن الحالة الداخلية للتفكير السلبي لوجدنا الحال ذاته لدى الجانب التركي وإن كان التركي عدو ومحتل وقوى غازية راعية للإرهاب.
على الجانب التركي محاولات نظام العدالة والتنمية التركي الإرهابي، بفرض دور لها في أية مفاوضات مستقبلية، ونيل حصتها من كعكة التسوية في سوريا، فشلت بالرغم من وضع تركيا كل امكاناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، و حساباتها فيما يخص احتلال شمال سوريا حتى عمق حلب وحماة وديرالزور اصطدمت بجدار القوى الدولية الكبرى واشنطن وموسكو، والتي لديها حسابات ومصالح مختلفة، منها ما يتعلق بمناطق النفوذ، ومنها ما يتعلق بالسباق على قيادة الساحة الدولية، لكن أياً تكن هذه الحسابات، فإن الشعب السوري هو من يدفع ثمن فاتورتها الباهظة، سواء بالعقوبات، أو باستمرار النزيف الدموي، طالما أن التسوية المنشودة لا تزال مغيبة ، في ظل حمام الدم السوري، أكثر من مليون قتيل ومعوق ومصاب، ناهيك عن مجازر سجون سلطة دمشق ، ومآسي عائلات المفقودين، وستة ملايين ونصف مليون مهجر،ودمار عمراني هائل نال من الحواضر التاريخية وتراثها مع ما رافقه من نهب منظم للآثار وتشويه لمعالم بعض منها عمر أكثر من ألفي عام، وتمزيق لنسيج اجتماعي ، عبر عقد اتفاقية ولقاءات سرية مع الاحتلال التركي، أدت إلى تحولات سياسية وعسكرية واقتصادية مختلفة، وفتح الحدود أمام الإرهاب المنظم وأمام أعين المجتمع الدولي والمجلس الأمن. مدن ومناطق سورية محتلة، ومع ذلك لا تزال سلطة دمشق تفكر وتصرح بعقلية ما قبل ٢٠١١.
فقد المواطن السوري إلى أبسط حقوقه في العيش الكريم في مناطق سيطرة سلطة دمشق و الاحتلال التركي ومرتزقته الإرهابية، ضروريات الحياة باتت شبه مغيبة لا أمل بانفراج قريب وحتى بعيد بأن يشهد الوضع في سوريا اي استقرار او حل في ظل استمرار سلطة دمشق بهذه العقلية الشوفينية والتي لا تقبل أي حل، مع ذلك تستمر الإدارة الذاتيّة ومؤسساتها السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية على التمسك بموقفها من الحوار وتؤكد على الحل والاستقرار السياسي في سوريا، وهذا الموقف من الحوار والحل ليس إلا لضمان بناء مجتمع أخلاقي سياسي على مبدأ العيش المشتركة بين أبناء الوطن ضمن دستور يمثل إرادة الشعب السوري المنهك من الحرب والقتل والاحتلال التركي ومرتزقته، وهنا يأتي دور القوى الراعية للحل والصراع في سوريا روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وجامعة الدول العربية عليها أن تدرك جيداً أن الخطر الأكبر على المجتمعات هو مشروع أردوغان المجرم وحزبه الراعي الرسمي للإرهاب ولمشروع الإخوان الذي فشل بكل المعايير والمقاييس الإنسانية. لذلك يتطلب الضغط على سلطة دمشق لجلوس على طاولة المفاوضات و الحوار السوري السوري بضمانة دولية ، وإنهاء معاناة المجتمع السوري .
لقاء وزير الخارجية الروسي لافروف مع قيادات مجلس سوريا الديمقراطية مسد و مؤشرات الردود الروسية في اللقاءات الأخيرة مهمة لو تفهما سلطة دمشق، خطوة يمكن البناء عليها في طريق الحل ، فهل تفهم سلطة دمشق هذه الرسائل، و تغيير سلوكها و سياساتها لتكن الإجابة برسم سلطة دمشق.